بسم الله الرّحمن الرّحيم
الطبقة الحادية والخمسون
حوادث سنة إحدى وخمسمائة
[فتنة العميد على سيف الدولة صدقة بن مزيد]
كان سيف الدّولة صدقة قد صار ملك العرب في زمانه ، وبنى مدينة الحلّة وغيرها. وقبل ذلك كان صاحب عمود وسيف ، فعظم شأنه ، وارتفع قدره ، وصار ملجأ لمن يستجير. وكان معينا للسّلطان محمد على حروبه مع أخيه ، وناصرا له ، فزاد في إقطاعه مدينة واسط ، وأذن له في أخذ البصرة ، ثمّ افتن ما بينهما العميد أبو جعفر محمد بن الحسين البلخيّ مع ما كان يفعله صدقة من إجارة من يلتجئ إليه من أعداء السّلطان محمد. وشغّب العميد السّلطان عليه ، ثمّ زاد عليه بأن صبغه بأنّه من الباطنيّة ، ولم يكن كذلك ، كان شيعيّا. وسخط السّلطان على سرخاب بن دلف صاحب ساوة ، فهرب منه ، فأجاره صدقة ، فطلبه السّلطان منه ، فامتنع. إلى أمور أخر ، فتوجّه السّلطان إلى العراق.
فاستشار صدقة أصحابه ، فأشار إليه ابنه دبيس بأن ينفّذه إلى السّلطان بتقادم وتحف وخيل ، وأشار سعيد بن حميد صاحب جيش صدقة بالحرب ، فأصغى إليه ، وجمع العساكر ، وبذل الأموال ، فاجتمع له عشرون ألف فارس ، وثلاثون ألف راجل. فأرسل إليه المستظهر ينهاه عن الخروج ، ويعده بأن يصلح أمره. وأرسل السّلطان يطلبه ويطيّب قلبه ، ويأمره بالتّجهّز معه لقصد غزو الفرنج ، فأجاب بأنّهم ملئوا قلب السّلطان عليّ ، ولا آمن من سطوته (١).
وقال صاحب جيشه : لم يبق لنا في صلح السّلطان مطمع.
__________________
(١) دول الإسلام ٢ / ٢٩.