[دخول السلطان بغداد]
ودخل السّلطان بغداد في العشرين من ربيع الآخر جريدة لا يبلغ عسكره ألفي فارس ، فلمّا اطمأنّ ببغداد ، وتحقّق معاندة صدقة له بعث شحنة بغداد سنقر البرسقيّ في عسكر ، فنزل على صرصر ، وبعث بريدا يستحثّ عساكره فأسرعوا إليه.
[الحرب بين السلطان وصدقة بن مزيد]
ثمّ نشبت الحرب بين الفريقين شيئا فشيئا ، وتراسلوا في الصّلح غير مرّة ، فلم يتّفق ، وجرت لهم أمور طويلة. ثمّ التقى صدقة والسّلطان في تاسع عشر رجب ، فكانت الأتراك ترمي الرّشقة عشرة آلاف سهم ، فتقع في خيل العرب وأبدانهم. وبقي أصحاب صدقة كلّما حملوا منعهم نهر بين الفريقين من الوصول ، ومن عبر إليهم لم يرجع. وتقاعدت عبادة وخفاجة شفقة على خيلها.
وبقي صدقة يصيح : يا آل خزيمة ، يا آل ناشرة ، ووعد الأكراد بكلّ جميل لمّا رأى من شجاعتهم. وكان راكبا على فرسه المهلوب ، ولم يكن لأحد مثله ، فجرح الفرس ثلاث جراحات. وكان له فرس آخر قد ركبه حاجبه أبو نصر ، فلمّا رأى التّرك قد غشوا صدقة هرب عليه ، فناداه صدقة ، فلم يردّ عليه.
وحمل صدقة على الأتراك وضرب غلاما منهم في وجهه بالسّيف ، وجعل يفتخر ويقول : أنا ملك العرب ، أنا صدقة. فجاءه سهم في ظهره ، وأدركه بزغش (١) مملوك أشلّ ، فجذبه عن فرسه فوقع فقال : يا غلام أرفق. فضربه بالسّيف قتله ، وحمل رأسه إلى السّلطان ، وقتل من أصحابه أكثر من ثلاثة آلاف فارس ، وأسر ابنه دبيس ، وصاحب جيشه سعيد بن حميد (٢).
__________________
(١) في الأصل : «برغش» بالراء المهملة. والتصحيح من : المنتظم ٩ / ١٥٦ (١٧ / ١٠٨).
(٢) المنتظم ٩ / ١٥٦ ، ١٥٧ (١٧ / ١٠٨ ، ١٠٩) ، تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) ٣٦٣ (تحقيق سويم) ٢٩ ، الإنباء في تاريخ الخلفاء لابن العمراني ٢٠٧ ، ذيل تاريخ دمشق ١٥٩ ، الكامل في التاريخ ١٠ / ٤٤٠ ـ ٤٤٨ ، تاريخ الفارقيّ ٢٧٤ ، مرآة الزمان ج ٨ ق ١ / ٢٥ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ٢٢٢ ، ٢٢٣ نهاية الأرب ٢٦ / ٣٦٤ ـ ٣٦٧ ، دول الإسلام ٢ / ٢٩ ، ٣٠ ، العبر ٤ / ١ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ١٨ ، ١٩ ، مرآة الجنان ٣ / ١٦٩ ، البداية والنهاية ١٢ / ١٦٩ ، تاريخ ابن خلدون ٥ / ٣٨ ، النجوم الزاهرة ٥ / ١٩٦ ، شذرات الذهب ٤ / ٢.