النوع الثاني من القسمة
اعلم أن كل معلوم فإمّا (١) أن يكون موجودا أو معدوما.
فههنا ابحاث :
الأوّل في الحصر :
انّ العقل الصريح حاكم بصدق هذه المنفصلة الحقيقية فلا يفتقر فيه الى برهان ، وجماعة من المتكلمين ظنّوا أن هاهنا قسم (٢) آخر غير موجود ولا معدوم سمّوه الحال (٣) ، وتحقيق القول في الحال أن نقول :
اذا علمنا امرا من الأمور فإما أن يكون ذلك الأمر راجعا الى الإثبات أو
__________________
(١) ج : اما.
(٢) ب وج : قسما.
(٣) اوّل من جاء بنظرية الأحوال هو أبو هاشم الجبائي أحد كبار متفكري المعتزلة ، وتبعه في ذلك من الاشاعرة القاضي ابو بكر الباقلاني وابو المعالي الجويني (المواقف ص ٥٧) ، وردّه اكثر المتكلمين واشنعوا في ذلك على ابي هاشم ، وقد جعل البغدادي في كتابه القول بالاحوال فضيحة سادسة من فضائح ابي هاشم (الفرق بين الفرق ص ١٩٥) ، وقال شيخنا المفيد رحمهالله : ان أبا هاشم خالف فيه جميع الموحدين (اوائل المقالات ص ٢٢) ، وحكى عنه الشريف المرتضى قوله : «ان ثلاثة اشياء لا تعقل : ... اتحاد النصرانية وكسب النجارية واحوال البهشمية» (الفصول المختارة ج ١ ص ١٢٨).
وقال الايجي : ان بطلانه ضروري لان الموجود ماله تحقق والمعدوم ما ليس كذلك ولا واسطة بين النفي والاثبات ضرورة واتفاقا. (المواقف ص ٥٧ وشرحه ج ٣ ص ٢).
لكن بعض اهل التوحيد من العرفاء قد قبلوا نظرية الاحوال وجعلوها واسطة بين الوجود والعدم ، قال ابن العربي : «فالاحوال لا موجودة ولا معدومة» ، وقال القيصري في شرحه على تلك العبارة : «فالاحوال والاحكام كلها لا موجودة في الاعيان بمعنى ان لها اعيانا في الخارج ولا معدومة بمعنى انها معدومة الاثر في الخارج» (شرح فصوص الحكم ص ٨. ٤).