البحث الثاني في الوجود :
وهو بديهي التصوّر ولا حاجة فيه الى الاستدلال ، قال فخر الدين : التصديق بأن الشيء إمّا موجود وإما معدوم يتوقف على تصور الوجود ، والتصديق البديهي إذا توقف على تصور بديهي كان أولى بالبداهة ، وأيضا فإن تصور وجودي بديهي والوجود المطلق جزء منه وجزء البديهي بديهي.
وهذان فاسدان ، أما الأوّل : فلأنّه يبتني (١) على أن تصورات التصديق البديهي بديهية وهي مقدمة كذّبناها في القاعدة السابقة ، وأمّا الثاني : فلأن استلزام تصور الوجود الخاصّ للوجود المطلق يتوقف على اشتراك الوجود وهي مقدمة نظرية.
مسألة : الحق عندنا أن الوجود مقول بالاشتراك المعنوي بين الموجودات ، وهذا مذهب الأوائل ومذهب أبي هاشم وأصحابه ، غير أن الأوائل زعموا أنه مقول بالتشكيك على الموجودات بمعنى أنه في بعضها أوّل (٢) وأقدم وأشدّ من الباقي ، وذهب أبو الحسين البصري وأبو الحسن الأشعري ومن تابعهما الى أنّه غير مشترك بالمعنى بل باللفظ اشتراك لفظ العين في مفهوماتها (٣).
والدليل على ما اخترناه وجوه :
__________________
(١) ب : مبنيّ.
(٢) ج : أولى.
(٣) حيث ان البصري والأشعري وجماعة ممن تبعهما قالوا : بأنّ وجود كل ماهية نفس تلك الماهية ولازم ذلك هو عدم التشكيك في الوجود ، ولكن الحق عند اكثر المتكلمين والحكماء هو ان وجود كل ماهية مغاير لها الا واجب الوجود فيلزم التشكيك (انظر : كشف المراد ص ٢٥) ، ثم ان هذا التشكيك اما في الاولوية او الاولية او الاقدمية او الاشدية ، ولم يذكر المصنف هنا التشكيك بالاولوية وقد ذكرها آنفا في بحث الامكان.