« أنّ النصوص التشريعية من قرآنٍ أو سُنّةٍ هي نصوصٌ متناهية ، بينما الحوادث الواقعة والمتوقّعة غير متناهية ، فلا سبيل إلىٰ إعطاء الحوادث والمعاملات الجديدة منازلها وأحكامها في فقه الشريعة إلّا عن طريق الرأي » (١) .
والجواب عن ذلك : إنّ الشارع المقدّس قد احتاط لهذا الأمر بأن شرّع الأحكام علىٰ نحوين :
أوّلهما : الأحكام الشرعية التي يتعلّق كلّ منها بموضوع خاصّ أو عنوان جزئي ، فيختصّ به ولا يتعدّاه إلىٰ غيره ، كحرمة الخمر ، ووجوب الصلاة .
وثانيهما : الأحكام الشرعية التي يتعلّق كلّ منها بعنوان عامّ أو موضوع كلّي يصلح للانطباق علىٰ أفراد ومصاديق متعدّدة ، وهذا النوع من الأحكام هو المصطلح عليه لدىٰ الفقهاء بـ : « القواعد الفقهية » التي تحدّد في ضوئها أحكام الوقائع المستجدّة التي ينطبق عليها العنوان الكلّي أو الموضوع العامّ الذي تعلّق به الحكم الشرعي .
وبتشريع هذا النحو من الأحكام تتمكّن الشريعة من الوفاء بأحكام القضايا المتجدّدة عبر الزمن ، بنحو لا يبقي فراغاً في منطقة التشريع ، ولا يترك مجالاً لدعوىٰ ضرورة الاستعانة بالعقل في صياغة الأحكام أو اكتشافها عن طريق القياس ، وما ينجم عن ذلك من تسرّب القوانين الوضعيّة إلىٰ ساحة التشريع الإلٰهي .
__________________
(١) موسوعة فقه السلف ١ / ٨٢ ـ ٨٣ ؛ وٱنظر : أعلام الموقّعين ـ لابن القيّم ـ ١ / ٣٣٣ .