فيرسم للقارئ مسرح الحدث بتعصبّهم بجمعهم علىٰ الطفل الصغير آخذينه ليلقوه في ( غيابة ) الجبّ ؛ ليبيّن فظاعة فعلهم وأنّهم ألقوه في أعماق الجبّ ، وهذا نظير قوله تعالىٰ : ( وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ) (١) ، وهذا التعبير الرثائي يشابهه ما استعمله شاعر أهل البيت عليهمالسلام بقوله : « أفاطم لو خِلْت الحسين مجدّلاً » ، وهو نحو من تجييش العاطفة ليعيش السامع والقارئ الحالة المأساوية وكأنّه يخوضها .
ثمّ يقول تعالىٰ في ذيل التصوير الأوّل : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) (٢) ؛ لتبيين مدىٰ شدّة القساوة الجارية علىٰ يوسف عليهالسلام وهو في نعومة أظفاره ، وأنّ العناية الإلٰهية لا تتركه من دون لطفها .
وتتابع السورة آثار المصيبة علىٰ يعقوب عليهالسلام : ( وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُوا تَاللَّـهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّـهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) (٣) . .
فتبيّن أنّ الجزع والندبة قد اشتدّا بالنبيّ يعقوب عليهالسلام إلىٰ حدّ إصابة عيناه الشريفة بالعمىٰ ، وقد اشتدّ حزنه وشكواه إلىٰ الله تعالىٰ إلىٰ درجة أن اتّهمه أبناءه بالسوء في عقله أو بدنه ، وهو معنىٰ الحرض ، والبثّ : شدّة الحزن ؛ وهذا يدلّ علىٰ أنّ الجزع من فعل الظالمين ممدوح ،
__________________
(١) سورة يوسف ١٢ : ١٠٢ .
(٢) سورة يوسف ١٢ : ١٥ .
(٣) سورة يوسف ١٢ : ٨٤ ـ ٨٦ .