وأمّا ما قلت من أنّه ليس هناك حسـن معنوي يوازي قبح الهتك . .
فهل هناك حسـن معنوي أكبر من تلك المحاسـن التي تقدّمت ، من شـرف خالد ، وإظهار مظلوميّته ، والحصول علىٰ أتباع ، إلىٰ غير ذلك ؟ ! والهتك ـ وإن كان قبيحاً في حدّ ذاته ـ لم يظهر هنا للعالم بمظهر القبح ، بل ظهر بمظهر المظلومية .
وأمّـا مـا قلـت : إنّ وسـائل الإطـفاء لـم تـك قـد قلّـت علىٰ الحسـين عليهالسلام . .
فذلك صحيح ، لم تك قد قلّت عليه ، لكنّ تلك الوسـائل لا تلبث أن يتلاشـىٰ أثرها بزوال الحسـين كأن لم تك شـيئاً ؛ فإنّا إذا نظرنا إلىٰ الوسـائل التي يتّخذها الثائر بحدّها تنحصر :
أوّلا : بوسـيلة سـياسـية ؛ دعايةً تكون في بادئ أمرها سـلمية تجعل الأُمّة تسـتفزّ من تلك الدولة حتّىٰ تثور عليها ، وذلك بأن تنشـر بينها مثالب تاريخ تلك الدولة وفظائع أعمالها ، وهذه لا تكون إلّا بعد مضيّ مدّة من الزمن علىٰ الدولة ، حتّىٰ تتراكم عليها مثالب التاريخ ، وأنّه يحتاج في
__________________
= الأمَـة ؛ يعني منفعتها .
ٱنظر : تاريخ دمشق ١٤ / ٢١٦ ترجمة الإمام الحسـين بن عليّ عليهالسلام .
أقول : فوالله ما التفرّق والذلّ الذي يعيشه المسلمون عامّةً ، والعرب خاصّةً ، من بعد ذاك اليوم إلىٰ يومنا هذا ، وإلىٰ يوم الوقت المعلوم ، إلّا نتيجة الجريمة الشنعاء التي ارتكبها يزيد وأعوانه ، بقتلهم سيّد شباب أهل الجنّة ابن بنت رسول الله وريحانته الإمام الحسـين عليهالسلام ، وخذلان غيرهم ، ورضا وسكوت آخرين ، من قبل وقعة الطفّ الفظيعة وحتّىٰ زماننا هذا ، فحقّ عليهم دعاؤه عليهالسلام : « اللّهمَّ إنْ متّعتَهم إلىٰ حين فَـفَـرِّقْـهم فِـرَقاً ، وٱجعلْهم طَـرَائـقَ قِـدَداً ، ولا تُـرْضِ الولاةَ عنهم أبداً ؛ فإنّهم دَعَونا لِـيَـنْـصـرونا ، ثـمَّ عَـدَوْا علينا فـقـتلونـا » .
ٱنظر : الإرشاد ٢ / ١١٠ ـ ١١١ .