ووُلْدُهُ ولم يتعقّبه قيام تلك الحرائر في تلك المقامات بتلك التحدّيات لذهب قتله جُباراً (١) ، ولم يطلب به أحد ثاراً ، ولضاع دمه هـدراً ، ولم يكن قتله إلّا قتل عبـد الله بن الزبير وأخيه مصعب وأمثالهما ممّن خَمَدَ ذِكرهم وضاع وترهم ؟ !
نعم ، لا يرتاب لبيب عارف بأسـباب الثورات ، وتكوين انقلابات الأُمم ، وتهييج الرأي العامّ ، أنّ أقوىٰ سـبب لذلك هو الخطابة والسـحر البياني الذي يؤثّـر في العقول وينيـر العـواطف !
وإذا اسـتحضرت واقعة الطفّ المفجعـة وتوالبهـا (٢) ، تعلم حقّـاً أنّه ما قلب الفكرة علىٰ بني سـفيان ، وٱنقرضت دولة يزيد بأسـرع زمان ، إلّا من جرّاء تلك الخطب والمقـالات التي لم يقـدر أيّ رجـل في تلك الأوقات الحرجـة والأوضاع الشـاذّة علىٰ القيام بأدنىٰ شـيء منها ، فقد تسـلسـلت الثورات والفتن علىٰ يزيد من بعـد فاجعـة الطـفّ إلىٰ أن هلـك .
بل ما نهضت جمعية التوّابين ، وتلاهم قيام المختار لأخذ الثار (٣) ،
__________________
(١) الجُبار : الـهَدَرُ ، ذهب دمه جُباراً ؛ أي هدراً .
ٱنظر : لسان العرب ٢ / ١٦٨ مادّة « جبر » .
(٢) التولب : ولَد الأتان من الوحش إذا اسـتكمل الحول .
وهنا كناية عمّا أولدته واقعة الطفّ من الحروب والثورات التي اندلعت علىٰ بني أُميّة بعد استشهاد الإمام الحسـين عليهالسلام .
ٱنظر : لسان العرب ٢ / ٤١ مادّة « تلب » .
(٣) راجع رسالة « أصدق الأخبار في قصّة الأخذ بالثار » للسيّد محسن الأمين العاملي ، تحقيق فارس حسون كريم ، المنشورة علىٰ صفحات مجلّة « تراثنا » ، العدد المزدوج ٦٦ ـ ٦٧ ، السنة السابعة عشرة / ربيع الآخر ـ رمضان ١٤٢٢ هـ .