وتعقّبتها واقعة الحـرّة (١) ، التي هلك بعدها يزيد بأيّام قليلة ؛ ما كان كلّ ذلك إلّا من أثر تلك المواقف المشـهودة لزينب وأخواتها .
فكان الحسـين عليهالسلام يعلم أنّ هذا عمـل لا بُـدّ منه ، وأنّـه لا يقوم به إلّا تلك العقائل ، فوجب عليه ـ حتماً ـ أن يحملهنّ معه ، لا لأجل المظلومية بسـبيهنّ فقط ، كما شـرحناه في الجواب الأوّل (٢) ، بل لنظر سـياسـيّ وفكر عميق ، وهو تكميل الغرض وبلوغ الغاية من قلب الدولة علىٰ يزيد ، والمبادرة إلىٰ القضاء عليها قبل أن تقضي علىٰ الإسـلام وتعود الناس إلىٰ جاهليّتها الأُولىٰ !
فقد أصبح الدين علىٰ عهد يزيد هو دين القرود والفهود ، دين
__________________
(١) هذه الواقعة هي عارٌ في جبين يزيد بن معاوية ، وجريمة أُخرىٰ تضاف إلىٰ جريمته الكبرىٰ التي ارتكبها بقتله الإمام الحسـين عليهالسلام .
في هذه الواقعة من المآسي والويلات تكاد السماوات يتفطّرن من هولها ، فقد استباح مسلم بن عقبة وجنوده وبأمر من يزيد مدينة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ثلاثة أيّام ، وٱعتدوا علىٰ العذارىٰ من بنات المهاجرين والأنصار ، وقتلوا الآلاف من الشيوخ والنساء والأطفال اللائذين بقبر سيّد المرسلين صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حتّىٰ إنّه لم يبق بعدها بدريّ ، وأمر بعد ذلك بالبيعة ليزيد وعلىٰ أنّهم خَوَلٌ وعبيد له ، إنْ شاء استرقّ وإنْ شاء أعتق ، فبايعوه علىٰ ذلك ، وفيهم جابر بن عبـد الله الأنصاري وأبو سعيد الخدري وغيرهم من بقيّـة الصحابة .
ثمّ بعث مسلم بن عقبة برؤوس أهل المدينة إلىٰ يزيد ، فلمّا أُلقيت بين يديه جعل يتمثّل بقول ابن الـزِّبعْرىٰ يوم أُحد :
ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا |
|
جزع الخزرج من وقع الأسلْ |
ٱنظر : أنسـاب الأشراف ٥ / ٣٣٧ ـ ٣٥٥ ، الإمامة والسياسة ١ / ٢٣٤ ـ ٢٣٩ ، البـدء والتاريخ ٢ / ٢٤٣ ـ ٢٤٤ ، العقد الفريد ٣ / ٣٧٢ ـ ٣٧٤ ، تاريخ الطبري ٥ / ٦٢٣ ، البداية والنهاية ٨ / ١٧٧ ـ ١٨٠ ، وفيات الأعيان ٦ / ٢٧٦ ، الفخري ـ لابن الطقطقي ـ : ١١٩ ، الإتحاف بحبّ الأشراف : ٦٦ .
(٢) ٱنظر : الجواب الأوّل في الصفحة ٣٢٤ وما بعـدها .