هذا ما نريد الإجابة عليه مفصّـلاً .
وهناك شـيء آخر يخضع للنقد الشـخصي ، وهو : إنّ الخمسـة أثواب التي أعطاها الحسـين إلىٰ محمّـد بن بشـير الحضرمي ـ ( ٢٣ ـ ٢٤ ) (١) السـياسـة الحسـينية ـ كان يزيد ثمـن الواحد منهـا علىٰ المئـة ليرة عثمانية ، لا يتوافق اقتناؤها بهذا الثمن الباهظ من قبل الحسـين مع دواعي الزهد التي كانت متجسّمة في أبيه وجدّه سـيّد الرسـل ؛ إذ عرفنا عن طرق الأحاديث المرويّة أنّ عليّـاً والد الحسـين كان يرتدي الصوف علىٰ بدنه داخلاً ويلبس الأطمار الرخيصة خارجاً ، دلالةً علىٰ زهده وورعه وتقواه ، أو تقليداً للنبيّ الذي هو المثل الأعلىٰ للأُمّة الإسـلامية ، والذي جعل بهذه الارتداء أُمثولة عزاء للفقير الذي لا يسـتطيع أن يلبس ثوباً يسـاوي ثمنه مئة ليرة عثمانية ونحوها ، كما اسـتطاع الحسـين أن يلبس (٢) مثل هذا الثوب ويهب خمسـة علىٰ غراره إلىٰ أحد أتباعه من الفقراء ؟ !
إنّ هذه الرواية ـ علىٰ ما فيها من اسـتقراء في النقل ـ تصوّر لنا الحسـين مسـرفاً ، طامعاً في خير الدنيا أكـثر من خير الآخرة ، بينما لو رجعنا إلىٰ اسـتقصاء ورع الحسـين وزهده وتقواه لوجدنا ذلك أنّه لا يتوافق ورغبة الحسـين في تضميد عواطف الفقراء المجروحة ، والترفيه علىٰ كلّ بائـس محتاج !
ولو أنّ راوياً عزا ذلك إلىٰ الحسـن ، الذي كان له مَيلٌ خاصٌّ وصِفةٌ خاصّة بهذا الثراء الدنيوي لأمكـننا أن نصدّق ذلك ؛ بدليل أنّ الحسـن نشـأ علىٰ الأُبّـهة والمجـد في زمـن جـدّه وأبيـه .
__________________
(١) ٱنظر ما تقـدّم في الصفحة ٣٣٦ .
(٢) لم يلبس الحسـين تلك الثياب ، وإنّما كان يقتنيها ليعطيها . كاشف الغطاء .