٢ ـ قوله تعالىٰ عن النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (١) .
وهو يؤكّد أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مع كونه أكمل الخلق وأكرمهم علىٰ الله سبحانه ، ليس مخوّلاً بإصدار الأحكام استناداً إلىٰ عقله ورأيه الشخصي ، وإنّما هو مقيّد بتبليغ ما يتلقّاه من ربّه عن طريق الوحي ، فغيره ممّن لا يبلغ شأوه من الناس أَوْلىٰ بأن يمنع من اتّخاذ رأيه وعقله مصدراً للتشريع .
هذا وقد روي عن الإمام الصادق عليهالسلام قوله لهشام بن الحكم : « إنّ لله علىٰ الناسِ حجّتين : حجّة ظاهرة وحجّة باطنة ، فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة عليهمالسلام ، وأمّا الباطنة فالعقول » (٢) .
ولا ينبغي أن يتوهّم من هذا الحديث أنّ العقل يقع في مرتبة النبيّ والإمام من حيث خصوصيّة كونهما مصدراً للتشريع ؛ فإنّ هذه الخصوصيّة قد نُفيت عن العقل بالأدلّة التي نسوق بعضها فعلاً في هذا البحث ، وأُثبتت للحجّة الظاهرة فقط .
قال تعالىٰ : ( أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (٣) ، وقال تعالىٰ : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٤) ، فأعطىٰ بذلك حقّ الطاعة والتشريع للنبيّ والإمام ، وهما الحجّة الظاهرة ، وميّزهما بذلك عن الحجّة الباطنة ، أي : العقل .
فلا بُدّ من حمل مراد الشارع بالحديث المذكور علىٰ الجانب
__________________
(١) سورة النجم ٥٣ : ٣ و ٤ .
(٢) الكافي ١ / ١٦ ح ١٢ كتاب العقل والجهل .
(٣) سورة النساء ٤ : ٥٩ .
(٤) سورة الحشر ٥٩ : ٧ .