وأما ما ذكرتم ممّا مسّكم من الجفاء في ولايتي ، فلعمري ما كان ذلك إلّا منكم بمظافرتكم عليه ، ومما يلتكم إيّاه ، فلمّا قتله الله (١) تعالى تفرّقتم عباديد فطورا أتباعا لابن أبي خالد ، وطورا أتباعا لاعرابي ، وطورا أتباعا لابن شكلة ، ثم لكل من سل سيفا على أمير المؤمنين ، ولو لا أن أمير المؤمنين شيمته العفو وطبعه التجاوز ما ترك على وجهها منكم أحدا ، فكلّكم حلال الدم محل بنفسه.
وأمّا ما سألتم من البيعة للعبّاس ابن أمير المؤمنين ، (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) ، ويلكم إن العبّاس غلام حدث السن ، ولم يؤنس رشده ولم يمهل وجده ولم تحكمه التجارب ، تدبّره النساء وتكفله الإماء ، ثم لم يتفقّه في الدين ، ولم يعرف حلالا من حرام ، إلّا معرفة لا تأتي فيه رعية، ولا تقوم به حجّة ، ولو كان مستأهلا قد أحكمته التجارب ، ومتفقها في الدين ، وبلغ مبلغ أئمة العدل في الزهد في الدنيا وصرف النفس عنها ؛ ما كان له عندي في الخلافة إلّا ما كان لرجل من عك وحمير (٢) ، فلا تكثروا في هذا المقال ، فإن لسان أمير المؤمنين لم يزل مخزونا عن امور وأنباء ، كراهية أن تخنث النفوس عند ما تنكشف ، علما بأن الله بالغ أمره ، ومظهر قضاءه يوما.
فإذا أبيتم إلّا كشف الغطاء وقشر العصا ، فإن الرشيد أخبرني عن آبائه وعمّا وجد في كتاب الدولة وغيرها ، أن السابع من ولد العباس هو الذي لا تقوم لبني العبّاس بعده قائمة ولا تزال النعمة متعلّقة عليهم بحياته ، فإذا أودعت فودّعها ، فإذا أودع فودّعاها ، وإذا فقدتم شخصي فاطلبوا لأنفسكم معقلا وهيهات ، ما لكم إلّا السيف يأتيكم الحسني الثائر البائر ، فيحصدكم حصدا ، أو السفياني المرغم، والقائم المهدي عليهالسلام لا يحقن دمائكم إلّا بحقّها.
وأما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى بعد استحقاق منه لها في نفسه واختيار منّي له ، فما كان ذلك منّي إلّا أن أكون الحاقن لدمائكم ، والذائد عنكم باستدامة المودّة بيننا وبينهم ، وهي الطريق أسلكها في إكرام آل أبي طالب ، ومواساتهم في الفيء بيسير ما يصيبهم منه ، وإن تزعموا إني أردت أن يؤول إليهم عاقبة ومنفعة ، فأنا في تدبيركم والنظر لكم ولعقبكم وأبنائكم من بعدكم ، وأنتم ساهون لاهون [تائهون] في غمرة تعمهون لا تعلمون ما يراد بكم ، وما أظللتم عليه من النقمة ، وابتزاز النعمة ، همّة أحدكم أن يمسي مركوبا ويصبح مخمورا تباهون بالمعاصي ،
__________________
(١) في الطرائف : قتلته.
(٢) ـ قال العلّامة المجلسي : والعكة : الاناء الذي يجعل فيه السمن ، والحمير : في بعض النسخ بالخاء المعجمة وهو الخبز البائت والذي يجعل في العجين. وقال البعض : هما قبيلتان من القحطانية.