المقدّمة
منذ بدء نزول آيات القرآن على النبيّ صلىاللهعليهوآله فى جزيرة العرب ، أدرك هؤلاء العرب ـ وفنّ القول الأدبيّ أوضح مزاياهم ـ أنّ القرآن يغاير مألوف القول ومتداول الكلام ، فلا نظير له في الشعر الذي هم ألصق الناس به وأعرفهم بدقائقه ، ولا هو من نمط النثر المعروف والخطابة الشائعة.
وكثيرا ما كان سماع آيات من القرآن من لدن عرب الجاهليّة محرّكا في دواخلهم نقطة خفيّة توقظهم على الإحساس بوجود «سرّ» خاصّ في التعبير القرآنيّ هو الذي يشدّهم اليه ، ليكون ذلك تمهيدا للإقبال على مضمونه والانفتاح على رسالة القرآن. وكان أهل الجاهليّة يدركون ، أمام النصّ القرآنيّ الآسر ، أنّهم في مقابل كلمات وعبارات فيها من الهيمنة والسطوة والجذب الباطنيّ ما جعلهم طائفتين اثنتين : طائفة سلّمت أنّ في القرآن روحا إلهيّة غيبيّة يخلو منها تماما قول البشر ، فكان أن آمنت بالنبيّ ورسالته. وطائفة أخرى أحسّت أنّ في القرآن شيئا غريبا يهجم على القلب ويهيمن ـ أو يكاد يهيمن ـ عليه ، بيد أنّ خلفيّاتها الاجتماعيّة أو الاعتقاديّة الموروثة كانت تسوق أتباع هذه الطائفة الى الفرار من التسليم للقرآن ومن الإقرار بتفرّده وتميّزه الصادر من الغيب الإلهيّ ، فكان هؤلاء