يلجئون الى المغالطة فينعتون القرآن بالسّحر ؛ بسبب هذه السلطة الداخليّة التي يجدونها في أنفسهم ، أو يصفونه بالكهانة أحيانا ، وبالشعر أخرى. وكانوا لا يفتئون يمنعون الذين لم يكونوا قد سمعوا القرآن من سماعه ؛ لئلّا يغلب عليهم ويفضي بهم الى الإيمان به (١).
وأراد الله تعالى أن يغلق عليهم سبل الهروب من أمام حقيقة القرآن الغالبة ، وأن يجرّدهم من الذرائع التي تصدّهم عن الإيمان بالقرآن ورسالة النبيّ صلىاللهعليهوآله وأن يكشف عن تزويرهم وتمويههم ، فكان أن واجههم بأسلوب صاعق حشرهم في زاوية ضيّقه ، هو أسلوب «التحدّي» الذي عجزوا عن جوابه والثبات أمامه.
لقد تحدّاهم الله سبحانه في خاصّة قدراتهم البيانيّة التي هم أقدر الناس عليها ، ليثبت لهم إلهيّة القرآن ، وليفضح في الوقت نفسه مفترياتهم وأقاويلهم. وهذا التحدّي الذي حمله القرآن نفسه قد تكرّر مرّات عديدة في صيغ شتّى. وهو في كلّها قد تعمّد مغالبتهم جميعا ، مصرّحا بعجزهم ـ ولو كانوا مجتمعين متآزرين ـ عن مماثلته كلّه ، أو مماثلة عشر سور منه ، أو حتّى سورة واحدة من سوره مهما قصرت ... ليخلص الى هذه الغاية ، وهي : (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (٢)؟! ومنذ البدء كان القرآن قد أعلن عن النتيجة وكشف كشفا مستقبليّا عن عجز العرب عن معارضته : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا
__________________
(١) حكى القرآن عن أمثال هؤلاء أنّ بعضهم كان يقول لبعض : «لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلّكم تغلبون» فصّلت : ٢٦. وحكى أيضا أنّهم كانوا يهوّنون من شأن القرآن ومن مزاياه المتفرّدة ، فكانوا يشيعون أنّهم ـ أو صفوة بلغائهم في الأقلّ ـ قادرون أن يقولوا مثل القرآن ؛ فلا مزيّة له إذا ولا هو دليل نبوّة (قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا)! الأنفال : ٣١.
(٢) هود : ١٤.