عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) (١).
وكان في هذا التحدّي وفي عجزهم أمام هذا التحدّي حجّة بيّنة بأنّ القرآن من عند الله أوحاه الى عبده ورسوله. وبغياب المحاولات الجادّة لمعارضة القرآن من قبل أهل الفصاحة والتعبير الأدبيّ الرفيع من خلاصات العرب ، سقطت الافتراءات والتخرّصات بشأن القرآن ، وثبتت غلبته في هذا التحدّي على مدى الزمان.
* * *
وانطلقت بعدئذ رسالة الاسلام ، فاتّسع نطاقها ليضمّ جزيرة العرب كلّها ، ثمّ ليمتدّ خارج الجزيرة الى أقاليم واسعة وبلدان مترامية في الشرق والغرب. بيد أنّ جوهر الإعجاز القرآنيّ ظلّ سرّا محوريّا دارت حوله الأبحاث ، وتعدّدت بشأنه الدراسات. وقد تركّزت جهود الباحثين والمتخصّصين في محاولات للاقتراب من هذا السرّ الإعجازيّ في فنّ القول القرآنيّ : في بلاغته وفصاحته وقدرته البيانيّة الأخّاذة. ومن هنا شهدت القرون الإسلاميّة الأولى نتاجات أدبيّة واسعة تبحث في القرآن من حيث الأسلوب والألفاظ والجمال البيانيّ ، في محاولة للتعرّف على ذلكم السرّ المعجز ، وللمقارنة بين تألّق التعبير القرآنيّ وبين كلام البلغاء والفصحاء. وأفضى بهم هذا كلّه الى العناية الفائقة بعلوم البلاغة التي تختصّ بدراسة الأسلوب والصورة واللفظة المفردة ، حتّى حاز الاهتمام بالبلاغة المقام الأوّل من بين سائر العلوم. وقد عبّر أبو هلال العسكريّ عن هذه الحالة بقوله : «إنّ أحقّ
__________________
(١) البقرة : ٢٣ ـ ٢٤.