العلوم بالتعلّم وأولاها بالتحفّظ ـ بعد المعرفة بالله جلّ ثناؤه ـ علم البلاغة ومعرفة الفصاحة الذي به يعرف إعجاز كتاب الله تعالى. وقد علمنا أنّ الإنسان إذا أغفل علم البلاغة وأخلّ بمعرفة الفصاحة لم يقع علمه بإعجاز القرآن من جهة ما خصّه الله به من حسن التأليف وبراعة التركيب ، وما شحنه به من الإيجاز البديع والاختصار اللطيف ، وضمّنه من الحلاوة ، وجلّله من رونق الطلاوة ، مع سهولة كلمه وجزالتها وعذوبتها وسلاستها ...» (١).
وهكذا غدت الدراسات البلاغيّة مقدّمة لدراسة القرآن وتفسيره ، وضرورة لتذوّق وإدراك البيان القرآنيّ ، حتّى أنّك تجد من العلماء من كان لا يبدأ بتدريس تلاميذه كتب التفسير إلّا بعد أن يدرس هؤلاء التلاميذ فنون البلاغة. وقد ألّف يحيى بن حمزة العلويّ كتابه (الطراز المتضمّن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز) ليكون تمهيدا لتدريسه تفسير الكشّاف للزمخشريّ الذي «لا سبيل الى الاطّلاع على حقائق الإعجاز إلّا بإدراكه والوقوف على أسراره وأغواره. ومن أجل هذا الوجه كان متميّزا عن سائر التفاسير» (٢).
وقاد الإيمان بأنّ سرّ إعجاز القرآن في فصاحته وبلاغته إلى إيجاد حركة تأليف كبيرة في لغة القرآن وفصاحته. واهتدى من المؤلّفين من اهتدى إلى أنّ الأعجاز كامن في «النّظم» القرآنيّ ، وفي طريقة صياغة العبارة وفي فصاحة الألفاظ كذلك ، أي في القول القرآنيّ : ألفاظا مفردة وتراكيب ، وفيما تتضمّنه من المعاني الصحيحة العالية. ومن هنا نشأت «نظريّة النّظم» في دراسات الإعجاز بوصفها بلورة راقية للدراسات البيانيّة للقرآن.
__________________
(١) كتاب الصناعتين ١.
(٢) الطراز ١ / ٥.