قوله : «فأمّا شأو نظم القرآن فليس له مثال يحتذى عليه ولا إمام يقتدى به ، ولا يصحّ وقوع مثله» (١) ، وقوله : «وقد تأمّلنا نظم القرآن فوجدنا جميع ما يتصرّف فيه من الوجوه التي قدّمنا ذكرها على حدّ واحد من حسن النظم وبديع التأليف والرصف ، لا تفاوت فيه ولا انحطاط عن المنزلة العليا ولا إسفاف فيه إلى الرتبة الدنيا» (٢). وصرّح بأنّ الإعجاز ليس «في نفس الحروف ، وإنّما هو في نظمها وإحكامها ورصفها» (٣).
وعني القاضي عبد الجبّار (ت ٤١٥ ه) عناية خاصّة بالنظم (٤) ، حتّى إذا جاء عبد القاهر الجرجانيّ (ت ٤٧١ ه) كان أوسع من كتب في الموضوع من خلال كتابه (دلائل الإعجاز). وقد أعانه ما كان يتمتّع به من ذوق وسلامة طبع على تجلية مفهوم النظم تجلية تطبيقيّة لآيات كثيرة من القرآن. وقد قرّر أنّ إعجاز القرآن في نظمه وما يتضمّنه هذا النظم من إحكام يؤلّف بين المعنى في أصدق وأروع مظاهره ، واللفظ في أجمل وأدقّ هيئاته (٥).
وظلّت قضيّة النظم وصلتها بالإعجاز ـ بعد عبد القاهر ـ بدون إضافة تذكر أو تجديد ذي شأن حتّى العصر الحديث.
وفي هذا السياق ألّف عدد من قدامى المؤلّفين كتبا ورسائل في نظم القرآن ، وقد احتفظت المصادر بأسماء عدد منها وبإشارات الى مضامين بعضها. ولعلّ أبرزها كتاب نظم القرآن للجاحظ (ت ٢٥٥ ه) ، أشار اليه في كتابه (الحيوان) بقوله :
__________________
(١) إعجاز القرآن ١١٢.
(٢) إعجاز القرآن ٣٧.
(٣) التمهيد ١٥١.
(٤) المغني ١٦ / ١٩٧.
(٥) ينظر دلائل الإعجاز ، فقد وضعه المؤلّف كلّه في بيان قضية النظم.