عصف الريح إلى أن تغطّت النّجوم (١) ، وكانت تسكن وتعود عودا عنيفا ، ففرّ النّاس والنّساء والأطفال ، وخرجوا من دورهم لا يستطيعون حيلة ، ولا يهتدون سبيلا ، بل يستغيثون ربّهم ، ويذكرون دينهم. ولا يستغربون العذاب ، لأنّهم على موجباته مصرّون وفي وقت وقوع واقعاته باستحقاقه مقرّون ، معتصمين بالمساجد الجامعة ، وملتقين الآية النّازلة من السّماء بالأعناق الخاضعة ، بوجوه عانية ، ونفوس عن الأموال والأهل سالية. قد انقطعت من الحياة علقهم ، وعميت عن النّجاة طرقهم ، فدامت إلى الثّلث الأخير ، وأصبح كلّ يسلّم (٢) على رفيقه ، ويهنّيه بسلامة طريقه ، ويرى أنّه بعث بعد النّفخة ، وأفاق بعد الصّرخة (٣). وتكسّر عدّة مراكب في البحار ، وتقلّعت الأشجار الكبار ، ومن كان نائما في الطّرق من المسافرين دفنته الرّيح حيّا ، وركب فما أغنى الفرار شيئا ، والخطب أشقّ ، وما قضيت بعض الحقّ. فما من عباد الله من رأى القيامة عيانا إلّا أهل بلدنا ، فما اقتصّ الأوّلون مثلها في المثلات ، والحمد لله الّذي جعلنا نخبر عنها ولا تخبر عنّا». في كلام طويل (٤).
[أخذ الفرنج بيروت]
وفيها أخذت الفرنج بيروت ، وكان أميرها الأمير عزّ الدّين سامة لمّا سمع بوصول العدوّ إلى صيدا هرب ، فملكها الفرنج ثاني يوم. وفيه صنّف :
سلّم الحصن ما عليك ملامه |
|
ما يلام الّذي يروم السّلامه |
فعطاء الحصون من غير حرب (٥) |
|
سنّة سنّها ببيروت سامه (٦) |
__________________
(١) في البداية والنهاية ١٣ / ١٣ «إلى أن أطفأ سرج النجوم».
(٢) في البداية والنهاية ١٣ / ١٤ «مسلم».
(٣) في البداية والنهاية ١٣ / ١٤ «بعد الصيحة والصرخة».
(٤) النص في البداية والنهاية ١٣ / ١٣ ، ١٤ باختلاف وزيادة.
(٥) وفي رواية :
إنّ أخذ الحصون لا عن قتال
(٦) البيتان لأحد الدماشقة وقد زاد بيتا ثالثا :