شارة وشهرة ، فلمّا صار في المنزل أغلق الباب ووثب عليه فجعل في عنقه وهقا ، ومرت المريض خصيتيه ، ولم يكن لهما معرفة بالقتل ، فطالت المناوشة ، وعلا ضجيجه ، فتسامع النّاس ، ودخلوا فخلّصوا الشّيخ. وبه رمق ، وقد وجبت خصاه ، وكسرت ثنيّتاه ، وحمل إلى منزله ، وأحضر ذاك إلى الوالي فقال : ما حملك على هذا؟ قال : الجوع. فضربه ونفاه (١).
خبر الزّلزلة
في سحر يوم الإثنين السّادس والعشرين من شعبان ارتاع النّاس ، وهبّوا من مضاجعهم مدهوشين ، وضجّوا إلى الله تعالى ، ولبثت مدّة. وكانت حركتها كالغربلة ، أو كخفق جناح الطّائر. وانقضت على ثلاث زحفات قويّة ، مادت الأبنية ، واصطفقت الأبواب ، وتداعى من الأبنية الواهي والعالي. ثمّ تواترت الأخبار بحدوثها في هذه السّاعة في البلاد النّائية ، فصحّ عندي أنّها تحرّكت من قوص إلى دمياط والإسكندريّة ، ثمّ بلاد السّاحل بأسرها ، والشّام طولا وعرضا ، وتعفّت بلاد كثيرة ، وهلك من النّاس خلق عظيم وأمم لا تحصى ، ولا أعرف في الشّام أحسن سلامة منها من القدس. وأنكت في بلاد الفرنج أكثر. وسمعت أنّها وصلت إلى خلاط وإلى فارس. وأنّ البحر ارتطم وتشوّهت مناظرة ، وصار قرنا كالأطواد ، وعادت المراكب على الأرض. ثمّ تراجعت المياه ، وطفا سمك كثير على سواحله.
ووردت كتب من الشّام بأمر الزّلزلة ، واتّصل بي (٢) كتابان أوردتهما
__________________
(١) وانظر (خبر الغلاء بمصر) في : الكامل في التاريخ ١٢ / ١٧٠ ، وذيل الروضتين ١٩ ، وتاريخ الزمان ٢٣٤ ، ومفرّج الكروب ٣ / ١٢٧ ، ومرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٤٧٧ ، ٤٧٨ ، والتاريخ المنصوري ١٤ ، والمختصر ٣ / ١٠١ ، والدرّ المطلوب ١٤٩ ، والجامع المختصر ٩ / ٤٧ ، والعسجد المسبوك ٢٦٥ ، ودول الإسلام ٢ / ١٠٦ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ١١٨ ، والبداية والنهاية ١٣ / ٢٢ ، و ٢٦ ، وتاريخ ابن الفرات ٤ ق ٢ / ٢٠٧ ـ ٢٠٩ ، والمختار من تاريخ ابن الجزري ٧٤ ، ٧٥ ، والسلوك ج ١ ق ١ / ١٥٧ ، ١٥٨ ، والنجوم الزاهرة ٦ / ١٧٣ ، وتاريخ ابن سباط ١ / ٢٣٤ ، وبدائع الزهور ج ١ ق ١ / ٢٥٤.
(٢) الضمير هنا يعود إلى الموفّق عبد اللطيف البغدادي ، وهو يروي هذا الخبر في كتابه : الإفادة