التوقّف فيه لأجل ذلك الاحتمال ، كما آمن بذلك فقهاؤنا العظام رضوان الله عليهم جميعاً.
الثالث : الإجماع ، وقد استدلّ لحجّية خبر الواحد بالإجماع ، وهو تتبّع أقوال العلماء خلال العصور المتعاقبة ، فيحصل من ذلك القطع بالاتفاق الكاشف عن رضا الإمام عليهالسلام بالحكم أو وجود نصّ معتبر في المسألة ، ولم يحضَ رأي السيّد المرتضى وأتباعه المخالِف للمشهور بعناية ما ، كما أشار الشيخ الطوسي إلى ذلك في (عدّة الأُصول) ، وقد أجمع علماء الشيعة بعد الشيخ الطوسي على حجّية خبر الواحد ، ما عدا ابن زهرة وابن إدريس كما ألمحنا إلى ذلك سابقاً.
الرابع : العقل ، وقد استدلّ به في إثبات حجّية خبر الواحد ؛ فممّا يطمئننا بعد أكثر من ألف عام على انقضاء عصر النصّ أنّ أكثر الأخبار بل جُلّها ، إلاّ ما شذّ وندر ، قد صدرت يقيناً عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام ووصلتنا كما هي دون زيادة أو نقصان ، ويؤيّد ذلك اعتناء رواة الشيعة الأجلاّء من أصحاب الأئمّة وفقهائهم بنقل الأحاديث ؛ فقد روي عن حمدويه ، عن أيوب بن نوح : «إنّه دفع إليه دفتراً فيه أحاديث محمّـد بن سنان ، فقال : إن شئتم أن تكتبوا ذلك فافعلوا ، فإنّي كتبتُ عن محمّـد بن سنان ، ولكن لا أروي لكم عنه شيئاً ، فأنّه قال قبل موته : كلّ ما حدّثتكم به فليس بسماع ولا برواية ، وإنّما وجدته» (١) ..
فهذا الاحتياط في الرواية عمّن لم يسمع من الثقات دليل قوي على شدّة عناية الأصحاب بالروايات المنقولة إلينا وصحّتها. ولكن ، ومع كلّ
__________________
(١) رجال الكشي : ٥٠٧.