كتابة الأسانيد بطولها الرتيب المملّ من أجل إنجاز ذلك الهدف.
٣ ـ إنكار الدليل العقلي على نطاق الاستنباط ، فقد مالت هذه المدرسة بشكل خطير نحو المذهب الحسّي في نظرية المعرفة ، وهاجمت حجّية العقل في نطاق الاستنباط باعتباره مجرّد اعتماد غير علمي على (الدليل الظنّي في أحكامه تعالى) (١) ، وكان ذلك الاستنتاج منتزعاً من فهم معيّن للعلوم النظرية ..
فقد قال الاسترآبادي بأنّ «العلوم النظرية قسمان : قسم ينتهي إلى مادّة هي قريبة من الإحساس ومن هذا القسم علم الهندسة والحساب وأكثر أبواب المنطق ، وهذا القسم لا يقع فيه الاختلاف بين العلماء ... وقسم ينتهي إلى مادّة بعيدة عن الإحساس ، ومن هذا القسم : الحكمة الإلهية والطبيعية وعلم الكلام وعلم أصول الفقه والمسائل النظرية الفقهية وبعض القواعد المذكورة في كتب المنطق ... ومن ثمّ وقع الاختلاف بين الفلاسفة في (الحكمة الإلهية والطبيعية) وبين علماء الإسلام في (أصول الفقه والمسائل الفقهية) وعلم الكلام وغير ذلك من غير فيصل ، والسبب في ذلك هو أنّ القواعد المنطقية إنّما هي عاصمة عن الخطأ من جهة الصورة لا من جهة المادّة ... وليست في المنطق قاعدة بها نعلم أنّ كلّ مادّة مخصوصة داخلة في أيّ قسم من أقسام موادّ الأقيسة ، بل من المعلوم عند أولي الألباب امتناع وضع قاعدة تتكفّل بذلك) (٢).
وهذه المقدّمة ، وإن كانت صحيحة بطبيعتها الفلسفية ، لأنّها ترى انحصار الدليل الحسّي في غير الضروريات في السماع عن الشريعة ، إلاّ أنّ
__________________
(١) الفوائد المدنية : ١٢٩.
(٢) الفوائد المدنية : ١٢٩ ـ ١٣٠ بتصرّف.