ولكن الأُصول الشرعية والعقلية التي تجري في مورد الشكّ تفتقد بطبيعتها تلك الدرجة من الكشف عن الحكم الواقعي ، ودورها مجرّد تقرير الوظيفة العملية للمكلّف وقت الشكّ ..
وفي ضوء ذلك التفكيك دخلت الأدلّة الاجتهادية كخبر الواحد والإجماع والسيرة والشهرة في مبحث الظنّ ، لأنّها من الظنون الخاصّة التي رفعها الشارع إلى مستوى القطع ، بينما دخلت الأدلّة الفقاهتية ، وهي الأُصول العملية الأربعة ، في مبحث الشكّ ؛ فقال في الرسائل : «فاعلم أنّ المكلّف إذا التفت إلى حكم شرعي فإمّا أن يحصل له الشكّ فيه أو القطع أو الظنّ ، فإن حصل له الشكّ فالمرجع فيه هي القواعد الشرعية الثابتة للشّاكّ في مقام العمل ، وتسمّى بالأُصول العملية ، وهي منحصرة في الأربعة ...» (١).
وهذا التفكيك بين الأمارات الظنّية والأُصول العملية ، والتفريق بين الأدلّة الفقاهتية والاجتهادية جعل دائرة الأدلّة الشرعية والعقلية متناسقة وغير متقاطعة في أىّ مرحلة من المراحل بل مترتّبة طوليّاً ، لكنّها تتقدّم أو تتأخّر عن بعضها من خلال ما اُصطلح عليه بـ (الحكومة) أو (الورود) اللذين سنتعرّض لهما لاحقاً.
٤ ـ مفاد الدليل ومدلوله :
وقد آمن الشيخ الأنصاري بأنّ مفاد الدليل دائماً هو الجعل وليس المجعول (٢) ؛ فـ (الجعل) يتمّ إنشاؤه من قبل المشرّع تحقّق موضوعه في
__________________
(١) الرسائل ١ / ٢.
(٢) الرسائل ١ / ٣٩٥ ـ ٤٠٣.