ويلاحظ :
إنّ ما ذكروه من ترجيح الإعمال أو الإلغاء ، تبعاً لتوسّط هذه الأفعال أو تأخّرها ، هو من آراء النحاة واجتهاداتهم الشخصـية ، وتعليلهم له بقوّة العامل وضعفه لا يمكن المساعدة عليه ، ذلك أنّنا نصوغ القواعد من استقراء كلام العرب كما هو ، وهم كانوا يتكلّمون على سجـيّهم ، ولم ينقل عنهم أنّهم كانوا يأخذون بنظر الاعتبار قوّة الفعل وضعفه تبعاً لوقوعه متوسّطاً أو متأخّراً ، بل لعلّ ذلك لم يدُر في خلَدهم أصلاً.
وإلى هنا وجدنا جميع النحاة يوجبون إعمال «ظنَّ وأخواتها» من أفعال القلوب إذا تقدّمت على المبتدأ والخبر ، ولا يجيزون إلغاءَها في هذه الحال.
إلاّ أنَّ ابن الحاجب (ت ٦٤٦ هـ) ذكر في شرحه لـمفصّل الزمخشري أنّ إعمالها يقوى حال التقدّم ، لا أنّه يلزم ويجب ؛ قال : «إذا تقدّمت فالوجه الإعمال ، وهو الثابت كثيراً ، وقد نقل جواز الإلغاء ، ولا بُعْدَ فيه ؛ لأنّ المعنى في صحّة الإلغاءِ قائم ، تقدّمت أو تأخّـرت ، وهو : أنّ متعلّقها له إعراب مستقلّ قبل دخولها ، فجُعل بعد دخولها على أصله ، وجُعلت هي تفيد معناها خاصّـة (١) ، وهذا حاصل تقدّمت أو تأخّـرت ...
فحصل من ذلك : أنّها إذا تقدّمت قوي الإعمال أو التزم على قول ، وإذا توسّطت كان الإلغاءُ أقوى منه إذا تقدّمت ، وإذا تأخّـرت كان الإلغاءُ
__________________
(١) ومعناها هو : اليقين بثبوت الخبر للمبتدأ في نحو : علمتُ زيدٌ قائمٌ ، والشكّ في ثبوته له في نحو : ظننتُ زيدٌ قائمٌ.