سُئلوا علمنا أنّ السؤال كان كالتقرير منه ولهم ، يقرّر به انصياعهم بالجهالة عمّا علّمه إيّاه ، وعلوّ خطره باختصاصه إيّاه بعلم لم يخصّهم به ، فالتزموا الجواب بأن قالوا : سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا.
ثمّ جعل الله عزّ وجلّ آدم عليهالسلام معلّم الملائكة بقوله : (أَنْبِئْهُمْ) ؛ لأنّ الإنباء من النبأ تعليم ، والأمر بالإنباء من الأمر تكليف يقتضي طاعةً وعصياناً ، والإصغاء من الملائكة عليهم السلام للتعليم والتوقيف والتفهيم والتعريف تكليف يقتضي طاعةً وعصياناً.
فمن ذهب منكم إلى فضل المتعلّم على المعلِّم ، والمُوقَف على المُوقِفِ ، والمعرَّفَ على المعرِّفِ ، كان في تفضيله عكس لحكمة الله عزّ وجلّ ، وقلب لترتيبها التي رتّبها الله عزّ وجلّ ؛ فإنّه على قياس مذهبه أن تكون الأرض التي هي المركز أعلى من النامي الذي هو عليها الذي فضّله الله عزّ وجلّ بالنموّ ، والنامي أفضل وأعلى من الحيوان الذي فضّله الله جلّ جلاله بالحياة والنموّ والروح. والحيوان الأعجم الخارج عن التكليف والأمر والزجر أعلى وأفضل من الحيوان الناطق المكلّف للأمر والزجر ، والحيوان الذي هو محجوج أعلى من الحجّة التي هي حجّة الله عزّ وجلّ فيها ، والمعلَّم أعلى من المعلِّم وقد جعل الله عزّ وجلّ آدم حجّة على كلّ من خلق من روحاني وجسماني إلاّ من جعل له أوّلية الحجّة.
فقد روي لنا عن حبيب بن مظاهر الأسدي بيّض الله وجهه أنّه قال للحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهماالسلام : أيّ شيء كنتم قبل أن يخلق الله عزّ وجلّ آدم عليهالسلام؟ قال : «كنّا أشباح نور ندور حول عرش الرحمن فنعلِّمُ الملائكة التسبيح والتهليل والتحميد» ، ولهذا تأويل دقيق ليس هذا مكان شرحه ، وقد بيّنّاه في غيره.