قلت (١) : ثمّ اشتدّ القتال في بعض الأيّام بين المسلمين والخطا ، فانهزم المسلمون هزيمة شنيعة وأسر خلق ، منهم السلطان خوارزم شاه وأمير من أمرائه الكبار ، أسرهما رجل واحد ووصل المنكسرون إلى خوارزم ، وتخبّطت الأمور. وأمّا خوارزم شاه فأظهر أنّه غلام لذلك الأمير ، وجعل يخدمه ويخلّعه خفّه ، فقام الّذي أسرهما وعظّم الأمير وقال : لو لا أنّ القوم عرفوا بك عندي لأطلقتك ، ثمّ تركه أيّاما ، فقال الأمير : إنّي أخاف أن يظنّ أهلي أنّي قتلت فيقتسمون مالي ، فأهلك ، وأحبّ أن تقرّر عليّ شيئا من المال حتّى أحمله إليك ، وقال : أريد رجلا عاقلا يذهب بكتابي إليهم. فقال : إنّ أصحابنا لا يعرفون أهلك. قال : فهذا غلامي أثق به ، فهو يمضي إن أذنت. فأذن له الخطائيّ فسيّره ، وبعث معه الخطائيّ من يخفّره إلى قريب خوارزم ، فخفروه ، ووصل السلطان خوارزم شاه بهذه الحيلة سالما ، وفرح به النّاس وزيّنت البلاد. وأمّا ذاك الأمير ، وهو ابن شهاب الدّين مسعود ، فقال له الّذي استأسره : إنّ خوارزم شاه قد عدم. فقال له : أما تعرفه؟ قال : لا. قال : هو أسيرك الّذي كان عندك. فقال : لم لا عرفتني حتّى كنت خدمته وسرت بين يديه إلى مملكته. قال : خفتكم عليه. فقال الخطائيّ : فسر بنا إليه. فسارا إليه.
ثمّ أتته الأخبار بما فعله أخوه عليّ شاه وكزلك خان ، فسار ثمّ تبعه جيشه. وكان قبل غزوة الخطا قد أمّر أخاه على طبرستان وجرجان ، وأمّر كزكان (٢) على نيسابور وهو نسيبه ، وولّى جلدك مدينة الجام ، وولّى أمين الدّين مدينة زوزن ـ وأمين الدّين كان من أكبر أمرائه ، وكان حمّالا قبل ذلك ، وهو الّذي ملك كرمان ، وقتل حسين بن جرميك (٣) ـ وصالحه غياث الدّين الغوري وخضع له ، وأمّر على مرو وسرخس نوابا ، ثمّ جمع عساكره وعبر جيحون ، واجتمع بسلطان سمرقند ، وجرى حرب الخطا الّذي ذكرناه.
__________________
(١) القول لابن الأثير.
(٢) هكذا بخط المؤلّف ، وهو كزلك خان المذكور قبل قليل ، كما في : الكامل ١٢ / ٢٦٤.
(٣) هكذا بخط الذهبي مجود التقييد ، وفي المطبوع من كامل ابن الأثير : خرميل (١٢ / ٢٦٠ فما بعد).