فأمّا ابن جرميك نائب هراة فإنّه رأى صنيع عسكر السلطان خوارزم شاه بالرعيّة من النّهب والفتك ، فأمسك منهم جماعة ، وبعث إلى السّلطان يعرّفه ما صنعوا ، فغضب وأمره بإرسال الجند لحاجته إليهم في قتال الخطا ، وقال : إنّي قد أمرت عزّ الدّين جلدك صاحب الجام أن يكون عندك لما أعلمه من عقله وتدبيره. وكتب إلى جلدك يأمره بالمسير إلى هراة ، ويقبض على ابن جرميك. فسار في ألفي فارس ـ وقد كان أبوه طغرل متولّي هراة في دولة سنجر ، فجلدك ـ إليها بالأشواق ويؤثرها على جميع خراسان. فلمّا خرج لتلقّيه نزلا واعتنقا ، ثمّ أحاط أصحابه بابن جرميك فهرب غلمانه إلى البلد ، فأمر الوزير بغلق هراة واستعدّ للحصار ، فنازل جلدك هراة ، وأرسل إلى الوزير يتهدّده بأنّه إن لم يسلّم البلد قتل مخدومه ابن جرميك ، فنادى الوزير بشعار السلطان غياث الدّين محمود الغوريّ ، فقدّموا ابن جرميك إلى السّور فحدّث الوزير في التسليم فلم يقبل ، فذبحوه. ثمّ أمر خوارزم شاه في كتبه إلى أمين الدّين صاحب زوزن ، وإلى كزلك خان متولّي نيسابور بالمسير لحصار هراة ، فسارا ونازلاها في عشرة آلاف ، واشتدّ القتال ، وقد كان ابن جرميك قد حصّنها ، وعمل لها أربعة أسوار ، وحفر خندقها وملأها بالميرة ، وأشاع أنّي قد بقيت أخاف على هراة شيئا ، وهو أن تسكر المياه الّتي لها ، ثمّ ترسل عليها دفعة واحدة فينهدم سورها. فلمّا بلغ أولئك قوله فعلوا ذلك ، فأحاطت المياه بها ولم تصل إلى السّور لارتفاع المدينة ، بل ارتفع الماء في الخندق ، وكثر الوحل بظاهر البلد ، فتأخّر لذلك العسكر عنها ، وهذا كان قصد ابن جرميك ، فأقاموا أيّاما حتّى نشف الماء.
ولمّا أسر خوارزم شاه ـ كما قدّمنا ـ سار كزلك خان مسرعا إلى نيسابور ، وحصّنها ، وعزم على السّلطنة. وكذلك همّ بالسّلطنة عليّ شاه ودعا إلى نفسه ، واختبطت خراسان. فلمّا خلص خوارزم شاه وجاء هرب كزلك خان بأمواله نحو العراق ، وهرب عليّ شاه ملتجئا إلى غياث الدّين الغوريّ ، فتلقّاه وأكرمه.