فإن كنت سلطانا فاعمل مصافّا. فجعل يغالطه ولا يجيبه ، لكنّه أمر أهل فرغانة والشّاش وأسبيجاب (١) وكاسان وتلك البلاد النّزهة العامرة بالجلاء والجفل إلى سمرقند وغيرها ، ثمّ خرّبها جميعها خوفا من التّتار أن يملكوها. ثمّ اتّفق خروج جنكزخان والتّتار الّذين أخربوا خراسان على كشلوخان ، فاشتغل بحربهم مدّة عن السّلطان خوارزم شاه فرجع إلى بلاد خراسان.
قلت : وكان هذا الوقت أوّل ظهور الطّاغية جنكزخان ، وأوّل خروجه من أراضيهم إلى نواحي التّرك وفرغانة. وأراضيهم براري من بلاد الصّين.
قال الموفّق عبد اللّطيف بن يوسف في خبر التّتار : هو حديث يأكل الأحاديث ، وخبر يطوي الأخبار ، وتاريخ ينسي التّواريخ ، ونازلة تصغّر كلّ نازلة ، وفادحة تطبق الأرض وتملؤها ما بين الطّول والعرض. وهذه الأمّة لغتهم مشوبة بلغة الهند لأنّهم في جوارهم ، وبينهم وبين تنكت (٢) أربعة أشهر. وهم بالنّسبة إلى التّرك عراض الوجوه ، واسعو الصّدور ، خفاف الأعجاز ، صغار الأطراف ، سمر الألوان ، سريعو الحركة في الجسم والرأي ، تصل إليهم أخبار الأمم ، ولا تصل أخبارهم إلى الأمم ، وقلّما يقدر جاسوس أن يتمكّن منهم ، لأنّ الغريب لا يتشبّه بهم ، وإذا أرادوا جهة كتموا أمرهم ونهضوا دفعة واحدة ، فلا يعلم بهم أهل بلد حتّى يدخلوه ، ولا عسكر حتّى يخالطوه ، فلهذا تفسد على النّاس وجوه الحيل ، وتضيق طرق الهرب ، ويسبقون التّأهّب والاستعداد. ونساؤهم يقاتلن كرجالهم ، وربّما كان للمرأة رضيع فتعلّقه في عنقها وترمي بالقوس. يرد على البلد منهم أوّلا نفر يسير حتّى يطمع فيهم أهله ، فينتشرون وراءهم حتّى يبعدوا وذاك النّفر منهزمون بين أيديهم ، ثمّ ينهالون عليهم كقطع اللّيل فيعجلونهم عن المدينة فيجعلونهم كالحصيد ، ويدخلون المدينة فيقتلون النّساء والصّبيان بغير استثناء. وأمّا الرجال فربّما أبقوا منهم من كان ذا صنعة أو له قوّة في الخدمة.
__________________
(١) ويقال فيها : أسفيجاب ـ بالفاء ـ وهو من قلب الباء الفارسية إلى فاء.
(٢) مدينة من مدن الشاس ، وراء نهر سيحون.