فعلت ما لم يفعله مسلم ولا كافر ولا عاقل ، وقد عفا الله عمّا سلف ، فاخرج عن البلاد إلى حيث شئت. فامتنع ، فزحف عليه ، ونصب السّلالم على السّور ، وأخذ سمرقند ، ووقع القتل والنّهب ثلاثة أيّام ، فيقال : إنّهم قتلوا بها مائتي ألف ، وسلم درب الغرباء والتّجار بحماية. ثمّ زحفوا على القلعة ، فأخذت ، وأسر الملك ، فلمّا أحضر قبّل الأرض وطلب العفو ، فقتله صبرا ، واستعمل نوّابا على سمرقند.
وأمّا الخطا فلمّا ذهبوا مهزومين اجتمعوا عند ملكهم ولم يكن شهد الوقعة. وكان طائفة من التّتار قد خرجوا من بلادهم أطراف الصّين قديما فنزلوا وراء بلاد تركستان ، فكان بينهم وبين الخطا حروب في هذا القرب ، فلمّا سمعوا أنّ خوارزم شاه كسر الخطا قصدوهم مع مقدّمهم كشلوخان (١) ، فلمّا رأى ذلك ملك الخطا كتب إلى خوارزم شاه : أمّا ما كان منك من أخذ بلادنا وقتل رجالنا فمعفوّ عنه ، فقد أتانا من هذا العدوّ ما لا قبل لنا به ، فإن انتصروا علينا وأخذونا فلا دافع لهم عنك ، والمصلحة أن تسير إلينا في عساكرك ، وتنجدنا على حربهم. فكاتب خوارزم شاه مقدّم التّتار كشلوخان : إنّني معك على قتال الخطا. وكاتب ملك الخطا : إنّني قادم لنصرتكم. وسار في جيوشه إلى أن نزل بقرب مكان المصاف ، فلم يخالطهم ، بل أوهم كلّا من الطّائفتين أنّه معهم ، وأنّه كمين لهم ، فالتقوا فانهزم الخطا أقبح هزيمة ، فمال حينئذ خوارزم شاه مع التّتار عليهم قتلا وأسرا ، فلم يفلت منهم إلّا القليل مع ملكهم لجئوا إلى جبال منيعة وتحصّنوا بها ، وانضمّ إلى خوارزم شاه منهم طائفة كبيرة ، وصاروا في جيشه. فأرسل يمنّ على كشلوخان ، فاعترف له وأرسل إليه بأن يتقاسما مملكة الخطا كما اتّفقا على إبادتهم ، فقال خوارزم شاه : ليس لك عندي إلّا السّيف ، فإن قنعت بالمسالمة وإلّا سرت إليك. ثمّ سار حتّى قاربه ، ثمّ تبيّن له أنّه لا طاقة له بالتّتر ، فأخذ يراوغهم ويبيّتهم ويتخطّفهم ، فأرسل إليه كشلوخان : ليس هذا فعل الملوك ، هذا فعل اللّصوص ،
__________________
(١) ويقال فيه : كشلي خان.