وعملا ، وسار إلى أن علا عقبة أسدآباد ، فنزلت عليه ثلوج غطّت الخراكي والخيام ، وبقي ثلاثة أيّام ، فعظم إذ ذاك البلاء ، وشمل الهلاك خلقا من الرّجال ، ولم ينج شيء من الجمال ، وتلفت أيدي رجال وأرجل آخرين ، فرجع السّلطان عن وجهه ذلك على خيبة ممّا همّ به.
[وصول الفرنج إلى عين جالوت]
وفيها تجمّع الفرنج وأقبلوا من البحر بفارسهم وراجلهم لأجل قصد بيت المقدس ، وتتابعت الأمداد من رومية الكبرى ، الّتي هي دار الطّاغية الأعظم المعروف بالبابا ، لعنه الله ، وتجمّعوا كلّهم بعكّا ، عازمين على استيفاء الثّأر ممّا تمّ عليهم في الدّولة الصّلاحيّة ، فجفل الملك العادل لمّا خرجوا عليه ، ووصلوا إلى عين جالوت ، وكان على بيسان فأحرقها ، وتقدّم إلى جهة عجلون ، ووصل الفوّار (١) ، فقطع الفرنج خلفه الأردنّ ، وأوقعوا باليزك ، وعادوا (٢) على البلاد ، وجاء الأمر إلى المعتمد والي دمشق بالاهتمام والاستعداد واستخدام الرّجال ، وتدريب دروب قصر حجّاج ، والشّاغور ، وطرق البساتين ، وتغريق أراضي داريّا ، واختبط البلد ، وأرسل العادل إلى ملوك البلاد يستحثّ العساكر ، ونزل مرج الصّفّر ، وضجّ النّاس بالدّعاء ، ثمّ رجع الفرنج نحو عكّا بما حازوه من النّهب والأسارى ، فوصل الملك المجاهد صاحب حمص ، ففرح به النّاس.
قال أبو المظفّر ابن الجوزيّ (٣) : فيها انفسخت الهدنة بين المسلمين والفرنج ، وجاء العادل من مصر بالعساكر ، فنزل بيسان ، والمعظّم عنده في عسكر الشّام ، فخرج الفرنج من عكّا ، عليهم ملك الهنكر ، فنزلوا عين جالوت في خمسة عشر ألفا ، وكان شجاعا ، خرج معه جميع ملوك السّاحل ، فقصد العادل ، فتأخّر العادل وتقهقر ، فقال له المعظّم : إلى أين؟ فشتمه بالعجميّة ، وقال : بمن أقاتل؟ أقطعت الشّام مماليكك وتركت أولاد النّاس. وساق فعبر الشّريعة (٤).
__________________
(١) في الذيل لأبي شامة : «الغور».
(٢) في ذيل الروضتين : «وغاروا».
(٣) في مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٥٨٣.
(٤) الشريعة : نهر الأردن.