وسبوا ، وساروا بعد ذلك إلى القفجاق وهم آمنون متفرّقون فبيّتوهم وأوقعوا بهم ، كعادتهم ومكرهم ، لعنهم الله ، ففرّ من سلم واعتصم بالغياض ، وبعضهم التحق ببلاد الرّوس.
وأقام هؤلاء التّتار في بلاد القفجاق ، وهي كثيرة المرعى في الشّتاء ، ووصلوا إلى مدينة سوداق وهي مدينة القفجاق وهي على بحر خزريّة (١) ، وإليها تصل التّجّار والمراكب يشترون الرّقيق والبرطاسيّ (٢) وغير ذلك. وبحر خزريّة هذا متّصل بخليج قسطنطينيّة.
ولمّا وصلت هذه الطّائفة من التّتار إلى سوداق ملكوها ، وتفرّق أهلها ، فبعضهم هرب إلى الجبال ، وبعضهم ركب البحر ، ثمّ أقام التّتار ببلاد القفجاق إلى سنة عشرين وستّمائة.
وأمّا الطّاغية جنكزخان فإنّه ـ بعد ما سيّر هذه الطّائفة المذكورة ، فهزمت خوارزم شاه ـ قسّم أصحابه عدّة أقسام ، فسيّر كلّ قسم إلى ناحية ، فسيّر طائفة إلى ترمذ ، وطائفة إلى كلاثة وهي حصينة على جانب جيحون. وسارت كلّ طائفة إلى الجهة الّتي أمرت بقصدها واستولت عليها قتلا وسبيا وتخريبا ، فلمّا فرغوا من ذلك عادوا إلى الملك جنكزخان وهو بسمرقند ، فجهّز جيشا عظيما مع أحد أولاده لحرب جلال الدّين ابن علاء الدّين خوارزم شاه ، وسيّر جيشا آخر فعبروا جيحون.
آخر كلام عزّ الدّين ابن الأثير رحمهالله.
قلت : ونازلت التّتار خوارزم ، فحاصروها ثلاثة أشهر ، واستولوا عليها في صفر سنة ثماني عشرة ، ونزل عليها أوكتاي الّذي ولي الأمر بعد أبيه جنكزخان ، ومعه باجي ملك في جيش عرمرم مائة ألف أو يزيدون. ولمّا لم يجدوا بها حجارة
__________________
(١) يعني : بحر الخزر ، وهو بحر قزوين.
(٢) البرطاسي : ضرب من الفراء يجلب من برطاس المدينة الواقعة شمال بحر قزوين (معجم دوزي : ١ / ٢٩٣ ، وراجع معجم البلدان لياقوت : ١ / ٥٦٧).