عمدوا إلى أصول التّوت فقطعوها ودوّروها ، ورموا بها بدلا عن حجارة المنجنيق ، وحرص أوكتاي كل الحرص أن يتسلّمها بالأمان ولا يؤذي فيها ، فأجابه الأكابر ، غير أنّ السّفهة غلبوهم على رأيهم بإغرائهم ، وجرى عليها حرب لم يسمع بمثله ، بحيث إنّه كانت تؤخذ المحلّة منها فيقاتل أهلها ، ثمّ ينضمّون إلى المحلّة الّتي تليها فيقاتلون ، إلى أن أخذت محلة بعد محلّة ، حتّى لم يبق معهم إلّا ثلاث محالّ ، فتزاحم بها الخلائق ، فطلبوا الأمان حينئذ ، فلم يؤمّنوا وقتلوهم صبرا. هذا معنى ما ذكره أبو سعد شهاب الدّين النّسويّ.
قلت : وممّا أخذت التّتار : نيسابور ، ومرو ، وهراة ، وبلخ ، وترمذ ، وسرخس ، وطوس ، وخوارزم ، وسائر مدن خراسان. وذهب تحت السّيف أمم لا يحصيها إلّا الله تعالى.
وقال الموفّق عبد اللّطيف : انشعب من التّتار فرقتان كما ينشعب من جهنّم لسانان : فرقة قصدت أذربيجان وأرّان ثمّ بلاد الكرج ، وفرقة أتت على همذان وأصبهان ، وخالطت حلوان تقصد بغداد.
أمّا الأولى فأفسدت البلاد التي مرّت عليها ، فلما وصلوا إلى بلاد الخزر جمع الكرج جموعهم ولقوهم ، فانهزموا ، ـ يعني الكرج ـ وقتل من صميمهم ثمانية آلاف ، ومن الأتباع والفلاحين عدد كثير. وتقنطر ملك الكرج فتداركه الأمراء فاستنقذوه من أنيابهم العضل ، واعتصم ببعض القلاع ، والتّتر يموجون في البلاد بالإفساد ، ويعضّون على من سلم الأنامل من الغيظ ، انفرد منهم فارس ، فقال ملك الخزر : أما عندنا من يخرج إليه؟ فانتخى بطل من الكرج وخرج إليه ، فما عتّم أن قتله التّتريّ واقتاد فرسه ورجع رويدا ، وأخذ يفسر الفرس ليعلم سنّه ، فعجب ملك الخزر وقال : انظروا كأنّه قد وزن فيه الثّمن.
ثمّ حشد الكرج نوبة أخرى ، واستنجدوا بعسكر أرزن الروم ، وقال النّاس :
إنّهم لا يرجعون. فلمّا اشتدّت شوكة الكرج رجع التّتر بغير أمر معروف ، ولا سبب مخوّف ، بل لسعادة لحقت ، وأيام بقيت ، وكان هذا سنة ثمان عشرة ، وأنا بأرزن.
ورجع التّتر إلى شروان فأخذوها بالسّيف وقتلوا أهلها ، وتجاوزوا الدّربند