قال : وبرز العادل إلى بلبيس يقصد الشّام ، فاختلف عليه العسكر وقبضوه ، وأرسلوا إلى الصّالح نجم الدّين يعرّفونه ويحثّونه على المجيء ، فسار ومعه النّاصر وابن موسك وجماعة أمراء فقدموا بلبيس ، فنزل الصّالح في مخيّم أخيه ، وأخوه معتقل في خركاه (١) من المخيّم. وكان محيي الدّين يوسف ابن الجوزيّ بمصر وقد خلع على الملك العادل ، وعلى الوزير الفلك المسيريّ من جهة الخليفة.
وحدّثني الصّالح نجم الدّين قال : والله ما قصدت مجيء الملك النّاصر معي إلّا خفت أن تكون معمولة عليّ ، ومنذ فارقنا غزّة ، تغيّر عليّ ، ولا شكّ ، إلا أنّ بعض أعدائي أطمعه في الملك ، فذكر لي جماعة من مماليكي أنّه تحدّث معهم في قتلي ، ولمّا أفرج عنّي ، ندم وهمّ بحبسي ثانيا ، فرميت روحي على ابن قليج ، فقال : ما كان قصده إلّا أن نتوجّه أولا إلى دمشق فنأخذها ، فإذا أخذناها عدنا إلى مصر.
قال : فلمّا أتينا بلبيس ، شرب النّاصر تلك اللّيلة ، وشطح إلى خركاه العادل ، فخرج من الخركاه ، وقبّل الأرض بين يديه فقال له : كيف رأيت ما أشرت عليك ولم تقبل منّي؟ فقال : يا خوند التّوبة. فقال : طيّب قلبك ، السّاعة أطلقك. ثمّ جاء فدخل على الخيمة ووقف ، فقلت : بسم الله اجلس. قال : ما أجلس حتّى تطلق العادل. فقلت : اقعد ـ وهو يكرّر الحديث ـ فسكت. ولو أطلقته لضربت رقابنا كلّنا. قال : فنام ، فما صدّقت بنومه ، وقمت باقي الليل ، فأخذت العادل في محفّة ودخلت به القاهرة. ثمّ بعثت إلى النّاصر بعشرين ألف دينار ، فردّها.
وذكر لي الصّالح نجم الدّين قول النّاصر له : بس يدي ورجلي ـ يعني ليلة بلبيس ـ فقلت : ما أظنّ هذا يبدو منه ، هو رجل عاقل. فأقسم بالله أنّ هذا وقع (٢).
__________________
(١) الخركاه : لفظ تركي بمعنى الخيمة.
(٢) إلى هنا في : مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٧٢٨ ، ٧٢٩ ، وعنه ينقل النويري في : نهاية الأرب ٢٩ / ٢٧٠.