من توحيده سبحانه وآيات توحيده وشرك المشركين وأنّه وبال ما قدّموه ، وأنّ له وبالا سيشاهدونه في الدنيا وعند الموت والبعث.
فإن قلت : فماذا أفاد الألتفات من الغيبة إلى التكلّم في قوله : (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ) (١) بعد قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) والإلتفات من الغيبة إلى الخطاب في قوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) بعد قوله : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ).
قلت : أفاد جميعا أنّه سبحانه ذو رحمة على كلّ حال ، لا يرضى لعباده الكفر ، بل يعود إليهم على كفرهم وتمرّدهم ، فيدعوهم إلى ما فيه خيرهم كلّ الخير ، فإن أعرضوا فيذرهم في طغيانهم يعمهون ، فهو المحمود بكل حمد وله كلّ الثناء.
ولذلك افتتحت السورة بالحمد وللتصريح بهذا التلويح أمر رسوله بعد الإعراض عن مخاطبتهم لإعراضهم أن يقرع سمعهم برحمته مرّة بعد مرّة في هذه السورة فقال : (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (٢) ، وقال : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (٣) وقال : (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ) (٤) وقال : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) (٥).
قوله سبحانه : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ)
في الكافي : عن أبي جعفر ـ عليهالسلام ـ قال : «إنّ الله عزوجل خلق الجنّة قبل
__________________
(١). الآية (٦) من السورة.
(٢). الآية (١٢) من السورة.
(٣). الآية (٥٤) من السورة.
(٤). الآية (١٣٣) من السورة.
(٥). الآية (١٤٧) من السورة.