وقال آخر :
من فاته طلب الوصول ونيله |
|
منه ، فقل : ما الذي هو يطلب! |
حسب المحبّ فناؤه عما سوى |
|
محبوبه إن حاضر ومغيّب |
وقال آخر :
لكلّ شىء إذا فارقته عوض |
|
وليس لله إن فارقت من عوض |
وفى الحكم : «ماذا وجد من فقدك؟ وما الذي فقد من وجدك؟ لقد خاب من رضى دونك بدلا ، ولقد خسر من بغى عنك متحولا». فكل من وقف مع شىء من السّوى ، وفاته التوجه إلى معرفة المولى ، فهو فى نار القطيعة والهوى ، مع النفوس الفرعونية ، وأهل الهمم الدنية. نسأل الله تعالى العافية.
ثم بدأ بعتاب اليهود ، بعد أن قرر شأن كتابه العزيز وما اشتمل عليه من المحكم والمتشابه ، توطئة للكلام معهم ، فقال :
(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٢) قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (١٣))
قلت : لمّا رجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم من غزوة بدر غالبا منصورا بالغنائم والأسارى ، جمع اليهود فى سوق بنى قينقاع ، وقال لهم : يا معشر اليهود ، اتقوا الله وأسلموا ، فإنكم تعلمون أنى رسول الله حقا ، واحذروا أن ينزل الله بكم من نقمته ما أنزل على قريش يوم بدر ، فقالوا : يا محمد ، لا يغرّنّك لا أنك لقيت أغمارا لا علم لهم بالحرب ، لئن قاتلتنا لتعلمنّ أنّا نحن الناس. فأنزل الله فيهم هذه الآية.
يقول الحق جل جلاله : (قُلْ) يا محمد (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) من بنى إسرائيل ، أو مطلقا : (سَتُغْلَبُونَ) إن قاتلتم المسلمين ، (وَتُحْشَرُونَ) بعد الموت والهزيمة (إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ) ما مهدتم لأنفسكم من العذاب ، وقد صدق وعده بقتل قريظة ، وإجلاء بنى النضير ، وفتح خيبر ، وضرب الجزية على من عداهم. فقد غلبوا أينما ثقفوا ، وحشروا إلى جهنم ، إلا من أسلم منهم.
ثم ندبهم للاعتبار بما وقع من النصر للمسلمين يوم بدر فقال لهم : (قَدْ كانَ لَكُمْ) يا معشر اليهود ، (آيَةٌ) أي : عبرة ظاهرة ، ودلالة على صدق ما أقول لكم : إنكم ستغلبون ، (فِي فِئَتَيْنِ) أي : جماعتين (الْتَقَتا) يوم بدر ، وهم