قلت : (ذهبا) : تمييز ، و (لو افتدى به) : محمول على المعنى ، كأنه قيل : فلن يقبل من أحدهم فدية ، ولو افتدى بملء الأرض ذهبا ، أو عطف على محذوف ، أي : فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا لو تقرب به فى الدنيا ، ولو افتدى به من العذاب فى الآخرة. قاله البيضاوي.
يقول الحق جل جلاله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، واستمروا على كفرهم حتى ماتوا ، لن (يُقْبَلَ) منهم فدية ، ولو افتدوا بملء الأرض ذهبا ، بل يحصل لهم الإياس من رحمة الله ، (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ؛ فلا ينفعهم فداء منه ولا شفاعة ولا حميم ، (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) ينصروهم من عذاب رب العالمين.
قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «يجاء بالكافر يوم القيامة ، فيقال له : أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا ـ أكنت مفتديا به؟ فيقول : نعم ، نعم ، فيقال له : قد سئلت ما هو أيسر من ذلك». يعنى : لا إله إلا الله. ثبتنا الله عليها إلى الممات عالمين بها. آمين.
الإشارة : كل من كفر بطريق أهل الخصوصية ، وحرم نفسه من دخول الحضرة القدوسية ، واستمر على كفرانه إلى الممات ، فلا شك أنه يحصل له الندم وقد زلت به القدم ، لأنه مات مصرا على الكبائر وهو لا يشعر ، فإذا حشر مع عوام المسلمين ، وسكن فى ربض الجنة مع أهل اليمين ، ثم رأى منازل المقربين فى أعلى عليين ، ندم وتحسر (١) ، وقد غلبه القدر ، فلو اشترى المقام معهم بملء الأرض ذهبا ما نفعه ذلك ، فيمكث فى غمّ الحجاب وعذاب القطيعة هنالك ، مقطوع عن شهود الأحباب على نعت الكشف والبيان ، ممنوع عن الشهود والعيان. وبالله التوفيق.
ولمّا حكم الحق تعالى بأن الفداء لا ينفع يوم القيامة ؛ ذكر أفضل ما يفتدى به العبد فى دار الدنيا ؛ لأنه ينفع فيها ذلك ، فقال :
(لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٩٢))
قلت : البرّ : كمال الطاعة.
يقول الحق جل جلاله : (لَنْ تَنالُوا) كمال الطاعة والتقرب (حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ، أو : لن تنالوا برّ الله ، الذي هو الرضى والرضوان ، (حَتَّى تُنْفِقُوا) بعض ما (تُحِبُّونَ) من المال وغيره ، كبذل الجاه فى معاونة الناس ، إن صحبه الإخلاص ، وكبذل البدن فى طاعة الله ، وكبذل المهج فى سبيل الله. ولمّا نزلت الآية
__________________
(١) هذا باعتبار عدم إدراكهم لمنازل المقربين ، وإن كان مجرد دخول الجنة فوز ونجاح ؛ قال تعالى : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ ..) الآية.