قلت : (كان) : على بابها من الدلالة على المضىّ ، أي : كنتم فى اللوح المحفوظ ، أو فى علم الله ، أو فيما بين الأمم المتقدمة ، أو : صلة ، أي : أنتم خير أمة ، و (للناس) : يتعلق بأخرجت ، أو بكنتم ، أي : كنتم خير الناس للناس.
يقول الحق جل جلاله لأمة نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم : (كُنْتُمْ) فى سابق علمى (خَيْرَ أُمَّةٍ) ظهرت (لِلنَّاسِ) تجيئون بهم إلى الجنة بالسلاسل. ثم بيّن وجه فضلهم فقال : (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) وبجميع ما يجب الإيمان به.
وقد ورد فى مدح هذه الأمة المحمدية أحاديث ، منها : قوله صلىاللهعليهوسلم : «حرّمت الجنة على الأنبياء حتى أدخلها أنا ، وحرّمت الجنة على الأمم حتّى تدخلها أمتى». ومنها قوله صلىاللهعليهوسلم : «أمتى أمة مرحومة ، إذا كان يوم القيامة أعطى الله كلّ رجل من هذه الأمة رجلا فيقال : هذا فداؤك من النّار».
وعن أنس قال : «خرجت مع النبي صلىاللهعليهوسلم ، فإذا صوت يجيىء من شعب ، فقال : يا أنس : قم فانظر ما هذا الصوت ، فانطلقت فإذا برجل يصلى إلى شجرة ، ويقول : اللهم اجعلنى من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، الأمة المرحومة ، المغفور لها ، المستجاب لها ، المتاب عليها ، فأتيت النبي صلىاللهعليهوسلم ، فأخبرته ، فقال : انطلق ، فقل له : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقرئك السلام ، ويقول لك : من أنت؟ فأتيته ، فأعلمته ما قال النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : أقرأ منى السلام على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقل له : أخوك الخضر يقول لك : ادع الله أن يجعلنى من أمتك المرحومة المغفور لها» (١). وقيل لعيسى بن مريم : هل بعد هذه الأمة أمة؟ قال : نعم ، أمة أحمد. قيل : وما أمة أحمد؟ قال : علماء ، حكماء ، أبرار أتقياء ، كأنهم من الفقه أنبياء ، يرضون باليسير من الرزق ، ويرضى الله عنهم باليسير من العمل ، يدخلهم الجنة بشهادة أن لا إله إلا الله. ه.
وليس أولها أولى بالمدح من آخرها ، لقوله صلىاللهعليهوسلم : «أمتى كالمطر ، لا يدرى أوله خير أو آخره»؟ وفى خبر آخر عنه صلىاللهعليهوسلم قال : «اشتقت إلى إخوانى ، فقال أصحابه : نحن إخوانك يا رسول الله ، فقال : أنتم أصحابى ، إخوانى : ناس يأتون بعدي ، يؤمنون بي ولم يرونى ، يودّ أحدهم لو يرانى بجميع ما يملك. يعدل عمل أحدهم سبعين منكم. قالوا : منهم يا رسول الله؟ قال : منكم. قالوا : ولم ذلك يا رسول الله؟ قال : لأنكم وجدتم على الخير أعوانا ، وهم لم يجدوا عليه أعوانا». أو كما قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
قلت : التفضيل باعتبار أجور الأعمال ، وأما باعتبار اليقين والمعرفة ، فالصحابة أفضل الخلق بعد الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ ويدل على هذا قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «يعدل عمل أحدهم» ، ولم يقل إيمان أحدهم (٢). والله تعالى أعلم.
__________________
(١) ذكره الحافظ ابن حجر بألفاظ مقاربة فى الإصابة ٢ / ١٢٢ ، وعزاه لابن عساكر وابن شاهين وابن عدى فى الكامل.
(٢) قال الحافظ ابن حجر : الجمهور على أن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل ؛ لمشاهدة رسول الله صلىاللهعليهوسلم. ثم قال : وزيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة. انظر بقية كلامه فى الفتح ٧ / ٩. وانظر أيضا تفسير القرطبي.