يقول الحق جل جلاله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) وجحدوا ما جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم ، (لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من) عذاب (اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) أي : ملازموها ، كملازمة الرجل لصاحبه ، (هُمْ فِيها خالِدُونَ).
الإشارة : إن الذين كفروا بالخصوصية عند أهل زمانهم ، وفاتهم اقتباس أنوارهم ، لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم ولا علومهم مما فاتهم من معرفة الله شيئا ، ماذا وجد من فقد الله؟ وماذا فقد من وجد الله؟! قال الشاعر :
لكلّ شىء إذا فارقته عوض |
|
وليس لله إن فارقت من عوض |
ولا طريق لمعرفة الحق المعرفة الخاصة ـ أعنى معرفة العيان ـ إلا صحبة أهل الشهود والعيان ، فكلّ من أنكرهم كان غايته الحرمان ، ولزمته البطالة والخذلان ، وجرّب ، ففى التجريب علم الحقائق ، ومن حرم صحبتهم لا ينفك عن نار القطيعة وعذاب الحجاب ، وعنت الحرص والتعب ، عائذا بالله من ذلك.
ثم ضرب مثلا لأعمال الكفار ، فقال :
(مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٧))
قلت : فى الكلام حذف ، أي : مثل تلف ما ينفقون كمثل إتلاف ريح ... إلخ ، و (الصر) : البرد الشديد ، أو ريح فيها صوت وبرد ، أو السموم الحارة.
يقول الحق جل جلاله : مثل ما ينفق الكفار ، قربة أو مفاخرة وسمعة ، أو ما ينفق سفلة اليهود على أحبارهم ، أو المنافقون ؛ رياء وخوفا ، (كَمَثَلِ رِيحٍ) فيها برد شديد (أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ) أي : زرعهم ، فأتلفته وأهلكته ، والمراد : تشبيه نفقتهم وأعمالهم فى تلفه وضياعه وعدم الانتفاع به ، بحرث كفار ، ضربته ريح فيها برد فاجتاحته ، فأصبح صعيدا زلقا ، ولم تبق فيه منفعة فى الدنيا والآخرة ، (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) بأن ضيع أعمالهم من غير سبب ، ولكنهم ظلموا أنفسهم بارتكاب الكفر الذي أحبط أعمالهم.
الإشارة : كل من لم يحقق مقام الإخلاص ، ولم يصحب أهل التخليص والاختصاص ، لا تنفك أعماله من علل ، ولا أحواله من دخل ، فأعماله فارغة خفيفة ، أقل ريح تقلعها وتسقطها عن درجة الاعتبار ، وما زالت العامة تقول : الصحيح يصح ، والخاوي يدريه الريح. وبالله التوفيق.