قال عليه الصلاة والسلام : «ما شقى عبد بمشورة ، وما سعد باستغناء برأى». وقال أيضا : «ما خاب من استخار ، ولا ندم من استشار». وقال أيضا ـ عليه الصلاة والسلام ـ «إذا كان أمراؤكم خياركم ، وأغنياؤكم أسخياءكم ، وأمركم شورى بينكم ، فظهر الأرض خير لكم من بطنها. وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم ، ولم تكن أموركم شورى بينكم ، فبطن الأرض خير من ظهرها».
(فَإِذا عَزَمْتَ) على شىء بعد الشورى ، (فتوكل على الله) أي : ثق به وكيلا ، (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) فينصرهم ويهديهم إلى ما فيه صلاحهم.
الإشارة : ما اتصف به نبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ من السهولة والليونة والرفق بالأمة ، اتصفت به ورثته من الأولياء العارفين ، والعلماء الراسخين ، ليتهيأ لهم الدعوة إلى الله ، أو إلى أحكام الله ، ولو كانوا فظاظا غلاظا لانفض الناس من حولهم ، ولم يتهيأ لهم تعريف ولا تعليم ، فينبغى لهم أن يعفوا ويصفحوا ويغفروا ويصبروا على جفوة الناس ، ويستغفروا لهم ، ويشاوروهم فى أمورهم ، اقتداء برسولهم ، فإذا عزموا على إمضاء شىء فليتوكلوا على الله ؛ (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
قال الجنيد ـ رضي الله عنه ـ : (التوكل أن تقبل بالكلية على ربك وتعرض عمن دونه). وقال الثوري : أن تفنى تدبيرك فى تدبيره ، وترضى بالله وكيلا ومدبرا ، قال الله تعالى : (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً). وقال ذو النون : (خلع الأرباب ، وقطع الأسباب.) وقال الخواص : قطع الخوف والرجاء مما سوى الله تعالى. وقال العرجى : رد العيش إلى يوم واحد ، وإسقاط هم غد. ه. وقال سهل : معرفة معطى أرزاق المخلوقين ، ولا يصح لأحد التوكل حتى تكون عنده السماء كالصفر (١) والأرض كالحديد ، لا ينزل من السماء قطر ، ولا يخرج من الأرض نبات ، ويعلم أن الله لا ينسى له ما ضمن من رزقه بين هذين. ه. وقيل : هو اكتفاء العبد الذليل بالرب الجليل ، كاكتفاء الخليل بالخليل ، حين لم ينظر إلى عناية جبريل. وقيل لبهلول المجنون : متى يكون العبد متوكلا؟ قال : إذا كان بالنفس غريبا بين الخلق ، وبالقلب قريبا إلى الحق.
وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من سرّه أن يكون أكرم النّاس فليتق الله ، ومن سرّه أن يكون أغنى النّاس فليكن بما فى يد الله أوثق منه بما فى يده».
قال ابن جزى : التوكل هو الاعتماد على الله فى تحصيل المنافع وحفظها بعد حصولها ، وفى دفع المضرات ورفعها بعد وقوعها ، وهو من أعلى المقامات ، لوجهين : أحدهما : قوله : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) ، والآخر :
__________________
(١) الصفر : النحاس.