ثم قال ، لمّا طلع قمر السّعادة فى ملك الإرادة وأشرقت شمس الوصول على أفق الأصول :
تركت هوى ليلى وسعدى بمعزل |
|
وملت إلى علياء أول منزل |
فنادتنى الأوطان أهلا ومرحبا |
|
ألا أيها السّارى رويدك فانزل |
غزلت لهم غزلا رقيقا فلم أجد |
|
لغزلى نسّاجا فكسّرت مغزلى |
ثم ذكّرهم الحق جل جلاله العهد الذي أخذه عليهم فى الجهاد والطاعة ، حين بايعوا نبيه ـ عليه الصلاة السّلام ـ فى العقبة وغيرها ، فقال :
(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧))
يقول الحق جل جلاله : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) بالهداية والعز والنصر ، (وَ) اذكروا (مِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ) حين بايعتم نبيه فى بيعة العقبة وبيعة الرضوان على الجهاد وإظهار الدين ، وعلى السمع والطاعة فى المنشط والمكره ، حين (قُلْتُمْ) له : (سَمِعْنا وَأَطَعْنا) فيما تأمرنا به فى عسرنا ويسرنا ، فى منشطنا ومكر هنا ، (وَاتَّقُوا اللهَ) فى نقض العهود ، (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي : خفياتها ، فيجازيكم عليها ، فضلا عن جليات أعمالكم ، والمقصود : الترغيب فى الجهاد الذي هو من كمال الدين.
الإشارة : يقال للفقراء الذين منّ الله عليهم بصحبة شيوخ التربية ، وأخذوا عنهم العهد ألا يخالفوهم : اذكروا نعمة الله عليكم ، حيث يسّر لكم من يسيركم إلى حضرة ربكم ، ويعرفكم به ، وغيركم يقول : إنه معدوم ، أو خفى لا يعرفه أحد ، وهذا الكنز الذي سقطتم عليه ، قلّ من وجده ، واذكروا أيضا ميثاقه الذي واثقه عليكم ألا تخالفوهم ، ولو أدى الأمر إلى حتف أنفكم.
كان شيخ شيوخنا ـ سيدى العربي بن عبد الله ، يقول : الفقير الصادق ، هو الذي إذا قال له شيخه : ادخل فى عين الإبرة ، يقوم مبادرا يحاول ذلك ، ولا يتردد. وقال أيضا : (صاحبى هو الذي نقتله بشعرة) ، وقد تقرر أن من قال لشيخه : لم ، لا يفلح ، وهذا أمر مقرر فى علم التربية ؛ كما فى قضية الخضر مع سيدنا موسى ـ عليهالسلام ـ. واتقوا الله فى اعتقاد مخالفتهم سرا ؛ (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) فإن الاعتراض سرا أقبح ؛ لأنه خيانة ، فليبادر المريد بالتوبة منه ويغسله من قلبه. والله تعالى أعلم.