عليه الصلاة السّلام ـ : «إنما الأعمال بالنيات». والدلك ؛ إذا لا يسمى غسلا إلا به ، وإلا كان غمسا ، والفور ؛ لأن العبادة إذا لم تتصل كانت عبثا. ولمّا عطفت بالواو ، وهى لا ترتب ، علمنا أن الترتيب سنة.
(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) لم تقدروا على الماء (أَوْ عَلى سَفَرٍ) ولم تجدوه ، أو فى الحضر ؛ و (جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) بالجماع أو غيره (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ) أي : جميعه (وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) ، وقيد الحضر بفقد الماء دون السفر ؛ لأن السفر مظنة إعوازه ، فالآية نص فى تيمم الحاضر الصحيح للصلوات كلها. قال البيضاوي : وإنما كرره ، ـ يعنى مع ما فى النساء ـ ليتصل الكلام فى بيان أنواع الطهارة. ه.
ثم قال تعالى : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) حتى يكلفكم بالطهارة فى المرض أو الفقد من غير انتقال للتيمم ، (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) أي : ينظفكم بالماء أو بدله ، أو يطهركم من الذنوب ، فإن الذنوب تذهب مع صب الماء فى كل عضو ، كما فى الحديث ، (وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) بشرعه ، ما هو مطهرة لأبدانكم ، ومكفرة لذنوبكم ، (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) نعمه فيزيدكم من فضله.
الإشارة : كما أمر الحق جل جلاله بتطهير الظاهر لدخول حضرة الصلاة ، التي هل محل المناجاة ومعدن المصافاة ، أمر أيضا بتطهير الباطن من لوث السهو والغفلات ، فمن طهر ظاهره من الأوساخ والنجاسات ، ولوّث باطنه بالوساوس والغفلات ، كان بعيدا من حضرة الصلاة ؛ إذ لا عبرة بحركة الأبدان ، وإنما المطلوب حضور الجنان. قال القشيري : وكما أن للظاهر طهارة فللسرائر طهارة ، فطهارة الظاهر بماء السماء ، أي : المطر ، وطهارة القلوب بماء الندم والخجل ، ثم بماء الحياء والوجل ، ويجب غسل الوجه عند القيام إلى الصلاة ، ويجب ـ فى بيان الإشارة ـ صيانة الوجه عن التبذل للأشكال عند طلب خسائس الأغراض ، وكما يجب مسح الرأس ، يجب صونه عن التواضع لكل أحد ـ أي : فى طلب الحظوظ والأغراض ـ وكما يجب غسل الرجلين فى الطهارة الظاهرة ، يجب صونها ـ فى الطهارة الباطنة ـ عن التنقل فيما لا يجوز ه.
وقال عند قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) : وكما يجب طهارة الأعلى ، أي : الظاهر ، فيقتضى غسل جميع البدن ، فقد يقع للمريد فترة ـ توجب عليه الاستقصاء فى الطهارة الباطنية ـ فذلك تجديد عقد وتأكيد عهد ، وكما أنه إذا لم يجد المتطهر الماء ففرضه التيمم ، فكذلك إذا لم يجد المريد من يفيض عليه صوب همته ، ويغسله ببركات إشارته ، اشتغل بما ينشر له من اقتفاء آثارهم ، والاسترواح إلى ما يجد من سالف سيرتهم ، ومأثور حكايتهم. ه.
قلت : محصل كلامه أن من سقط على شيخ التربية ، كان كمن وجد الماء فاستعمل الطهارة الأصلية الحقيقية ، ومن لم يسقط على شيخ التربية ، كان كالمستعمل للطهارة الفرعية المجازية ؛ وهى التيمم ، وإلى ذلك أشار الغزالي ، لما سقط على الشيخ ، ولامه ابن العربي الفقيه على التجريد ، فقال :
قد تيممت بالصّعيد زمانا |
|
والآن قد ظفرت بالماء |
من سرى مطبق الجفون وأضحى |
|
فاتحا لا يردّها للعماء |