ثم تكلم على ما بقي من حفظ الأديان ، وهو الوضوء ؛ إذ لم يتكلم عليه فى النساء ، فقال:
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٦))
قلت : (إِذا قُمْتُمْ) : أردتم القيام ، كقوله : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) (١) ، حذف الإرادة للإيجاز ، وللتنبيه على أن من أراد العبادة ينبغى أن يبادر إليها ، بحيث لا ينفك الفعل عن الإرادة ، وقوله : (بِرُؤُسِكُمْ) الباء للإلصاق ، تقول : أمسكت بثوب زيد ، أي : ألصقت يدى به ، أي : ألصقوا المسح برؤوسكم ، أو للتبعيض ، وهذا سبب الخلاف فى مسحه كله أو بعضه ، فقال مالك : واجب كله ، وقال الشافعي : أقل ما يقع عليه اسم الرأس ، ولو قلّ. وقال أبو حنيفة : الربع.
(وَأَرْجُلَكُمْ) ، من نصب عطف على الوجه ، ومن خفض فعلى الجوار ، وفائدته : التنبيه على قلة صبّ الماء ، حتى يكون غسلا يقرب من المسح. قاله البيضاوي. وردّه فى المغني فقال : الجوار يكون فى النعت قليلا ، وفى التوكيد نادرا ، ولا يكون فى النسق ؛ لأن العاطف يمنع من التجاور ، وقال الزمخشري : لمّا كانت الأرجل بين الأعضاء الثلاثة مغسولات ، تغسل بصب الماء عليها ، كان مظنة الإسراف المذموم شرعا ، فعطف على الممسوح لا لتمسح ، ولكن لينبه على وجوب الاقتصار فى صب الماء عليها ، وجىء فيهما بالغاية إماطة لظن من يظن أنها ممسوحة ؛ لأن المسح لم يضرب له غاية فى الشريعة. ه.
يقول الحق جل جلاله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إذا أردتم القيام (إِلَى الصَّلاةِ) ، وأنتم محدثون (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) من منابت شعر الرأس المعتاد إلى الذقن ، ومن الأذن إلى الأذن ، (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) أي : معها ، (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) أي : جميعها أو بعضها على الخلاف ، (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) العظمين الناتئين فى مفصلى الساقين ، فهذه أربعة فرائض ، وبقيت النية لقوله : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ) (٢) ، ولقوله
__________________
(١) من الآية : ٩٨ من سورة النحل.
(٢) من الآية : ٥ من سورة البينة.