الإشارة : أمر الحق جل جلاله شيوخ التربية أن يعدلوا بين الفقراء فى النظرة والإمداد ، ولا يحملهم سوء أدب أحدهم ، أو قلة محبته وصدقه ، أن يبعده أو يمقته ؛ لأن قلوبهم صافية ، لا تحمل الكدر ، فهم يحسنون إلى من أساء إليهم من العوام ، فضلا عن أصحابهم ؛ فهم مأمورون بالتسوية بينهم فى التذكير والإمداد. والله تعالى يقسم بينهم على قدر صدقهم ومحبتهم ، كما قال صلىاللهعليهوسلم : «إنما أنا قاسم والله معطى» أي : إنما أنا أبين كيفية التوصل إلى الحق ، والله ـ تعالى ـ يتولى إعطاء ذلك لمن يشاء من خلقه ، فالأنبياء والأولياء مثلهم فى بيان الطريق بالوعظ والتذكير ، كمن يبين قسمة التركة بالقلم ، والحاكم هو الذي يوصل إلى كل واحد من الورثة ما كان ينوبه فى التركة ، كذلك المذكّر والمربى ، يبين المقامات ، والله يعطى ذلك بحكمته وفضله. والله تعالى أعلم.
ثم أمر نبيه صلىاللهعليهوسلم بشكر نعمة حفظه ورعايته ، وتنسحب على الأمراء من بعده ، إذ لا يخلو أحد منهم من عدو أو حاسد ، فقال :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١))
يقول الحق جل جلاله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) بحفظه إياكم من عدوكم ؛ (إِذْ هَمَّ قَوْمٌ) أي : حين همّ الكفار (أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ) بالقتل ، (فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) ، ولما كانت مصيبة قتل النبي صلىاللهعليهوسلم ـ لو قتل ـ تعمّ المؤمنين كلهم ، خاطبهم جميعا ، وهى إشارة إلى ما همت به بنو قريظة ، من قتله صلىاللهعليهوسلم ، وذلك أنه صلىاللهعليهوسلم أتى بنى قريظة ، ومعه الخلفاء الأربعة ؛ يستعينهم فى دية رجلين مسلمين ، قتلهما عمرو بن أمية الضمري ، خطأ ، يظنهما مشركين ، فقالوا : نعم يا أبا القاسم ، قد آن لنا أن نعينك فاجلس حتى تطعم ، فأجلسوه ، وهموا بقتله ، فعمد عمرو بن جحاش إلى رحى عظيمة ليطرحها عليه ، فأمسك الله يده ، ونزل جبريل فأخبره ، فخرج النّبى صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة ولحقه أصحابه ، وهذا كان سبب قتلهم فى غزوة بنى قريظة.
وقيل : نزلت فى قضية غورث ، وذلك أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان ببطن نخلة حاصرا لغطفان ، فقال رجل منهم : هل لكم فى أن أقتل محمدا فأفتك به؟ قالوا : وددنا ذلك. فأتى النبىّ صلىاللهعليهوسلم متقلدا سيفه ، فوجد النبي صلىاللهعليهوسلم نازلا تحت شجرة قد تفرق أصحابه عنه ، وقد علق سيفه فى الشجرة ، فسله الأعرابى وقال : من يمنعك منى؟ وفى رواية : وجد النبي صلىاللهعليهوسلم نائما فاستل السيف ، فما استيقظ النبي إلا والسيف فى يد الأعرابى ، فقال : من يمنعك منى يا محمد؟ فقال : «الله» ، فأسقطه جبريل من يده ، وأخذه النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : «وأنت ، من يمنعك منى؟» فقال : كن خير آخذ ، فعفى عنه ـ عليه الصلاة السّلام (١) ـ. زاد البيضاوي : أنه أسلم.
__________________
(١) أخرجه القصة : البخاري فى (الجهاد ، باب من علق سيفه بالشجر) وفى مواضع أخرى ، ومسلم فى (الفضائل ، باب توكله صلىاللهعليهوسلم على الله) عن جابر رضي الله عنه.