بعبارة اللسان كفّر وزندق ، وهذه المعاني هى الخمرة الأزلية التي كانت خفية لطيفة ، ثم ظهرت محاسنها ، وأبدت أنوارها وأسرارها ، وهى أسرار الذات وأنوار الصفات ، فمن عرفها وكوشف بها. اتحد عنده الوجود ، وأفضى إلى مقام الشهود. وهى منزهة عن الحلول والاتحاد ، إذ لا ثانى لها حتى تحل فيه أو تتحد معه ، وقد أشرت إلى هذا المعنى فى تائيتى الخمرية ، حيث قلت :
تنزّهت عن حكم الحلول فى وصفها |
|
فليس لها سوى فى شكله حلّت |
تجلّت عروسا فى مرائى جمالها |
|
وأرخت ستور الكبرياء لعزّتى |
فما ظاهر فى الكون غير بهائها |
|
وما احتجبت إلا لحجب سريرتى |
فمن كوشف بأسرار هذه الخمرة ، لم ير مع الحق سواه. كما قال بعض العارفين : (لو كلفت أن أرى غيره لم أستطع ؛ فإنه لا غير معه حتى أشهده). ولو أظهرها الله تعالى للكفار لوجدوا أنفسهم عابدة لله دون شىء سواه ، وفى هذا المعنى يقول ابن الفارض على لسان الحقيقة :
فما قصدوا غيره وإن كان قصدهم |
|
سواى وإن لم يظهروا عقد نيّة |
والنصارى ـ دمرهم الله فى مقام الفرق والضلال ـ حملهم الجهل والتقليد الردىّ على مقالالتهم التي قالوا فى عيسى عليهالسلام.
ثم ذكر مقالة أخرى لليهود والنصارى ، فقال :
(وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٨))
يقول الحق جل جلاله : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ) أي : أولاد بنيه ؛ فاليهود يقولون : نحن أولاد عزير ، والنصارى يقولون : نحن أشياع عيسى. أو : فينا أبناء الله ونحن أحباؤه ، أو : نحن مقربون عند الله كقرب الولد من والده. وهذه دعوى ردّها عليهم بقوله : (قُلْ) لهم : (فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) ، وهل رأيتم والدا يعذب ابنه ، وقد عذبكم فى الدنيا بالمسخ والقتل والذل ، وقد اعترفتم أنه يعذبكم بالنار أياما معدودة ، (بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) أي : ممن خلقه الله ، (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) بفضله ؛ وهو من آمن منهم بالله ورسله ، (وَيُعَذِّبُ مَنْ