فى حال الإحرام ، ومعنى الآية فى الجملة : أحلت الأنعام كلها إلا ما يتلى عليكم من الميتة وأخواتها ، لكن الصيد فى حال الإحرام حرام عليكم ، (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) من تحليل أو تحريم.
الإشارة : يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود التي عقدتموها على نفوسكم فى حال سيركم إلى حضرة ربكم ، من مجاهدة ومكابدة ، فمن عقد عقدة مع ربه فلا يحلها ، فإن النفس إذا استأنست بحل العقود لم ترتبط بحال ، ولعبت بصاحبها كيف شاءت ، وأوفوا بالعقود التي عقدتموها مع أشياخكم بالاستماع والاتباع إلى مماتكم ، وأوفوا بالعقود التي عقدها عليكم الحق تعالى ، من القيام بوظائف العبودية ، ودوام مشاهدة عظمة الربوبية ، فإن أوفيتم بذلك ، فقد أحلت لكم الأشياء كلها تتصرفون فيها بهمتكم ؛ لأنكم إذا كنتم مع المكون كانت الأكوان معكم. إلا ما يتلى عليكم مما ليس من مقدوركم مما أحاطت به أسوار الأقدار ، «فإن سوابق الهمم لا تخرق أسوار الأقدار» ، غير متعرضين لشهود السّوى وأنتم فى حرم حضرة المولى. والله تعالى أعلم.
ولمّا نهى عن التعرض للصيد فى الحرم ، نهى عن تغيير المناسك والتعرض للحجّاج ؛ لأنه من تعظيم حرمة الحرم ، فقال :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢))
قلت : الشعائر : جمع شعيرة ، وهى اسم ما أشعر ، أي : جعل علامة على مناسك الحج ومواقفه ، و (لا يجرمنكم) أي : يحملنكم ، أو يكسبنكم ، يقال : جرم فلان فلانا هذا الأمر ، إذا أكسبه إياه وحمله عليه. والشنآن : هو البغض والحقد ، يقال : بفتح النون وإسكانها ، و (أن صدوكم) مفعول من أجله ، و (أن تعتدوا) مفعول ثان ليجرمنكم. ومن قرأ : (إن صدوكم) ، بالكسر فشرط ، أغنى عن جوابه : (لا بجرمنكم).
يقول الحق جل جلاله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) أي : لا تستحلوا شيئا من ترك المناسك ، وذلك أن الأنصار كانوا لا يسعون بين الصفا والعروة ، وكان أهل مكة لا يخرجون إلى عرفات ، وكان أهل اليمن يرجعون من عرفات ، فأمرهم الله ألّا يتركوا شيئا من المناسك ، أي : لا تحلوا ترك شعائر الله (وَلَا) تحلوا