البيان ، أضلهم وآخذهم إن لم يتوبوا. قال البيضاوي : وكأنه بيان عذر الرسول فى قوله لعمه : «لأستغفرن لك» ، ولمن استغفر لأسلافه المشركين قبل المنع. وقيل : إنه فى قوم مضوا على الأمر الأول فى القبلة والخمر ، ولم يعلموا بالنسخ والمنع. وفى الجملة : دليل على أن الغافل غير مكلف. ه. وقال ابن جزى : نزلت فى قوم من المسلمين استغفروا للمشركين من غير إذن ، فخافوا على أنفسهم من ذلك ، فنزلت الآية تأنيسا لهم ، أي : ما كان الله ليؤاخذكم بذلك قبل أن يبيّن لكم المنع من ذلك. ه. (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ؛ فيعلم أمرهم قبل النهى وبعده.
(إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، يتصرف فيهما وفى ساكنهما كيف يشاء ، (يُحْيِي) من يريد إبرازه لعالم الشهادة ، (وَيُمِيتُ) من يريد رده لعالم الغيب ، أو يحيى قلوبا بالإيمان والمعرفة ، ويميت قلوبا بالكفر والغفلة. (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ).
قال البيضاوي : لمّا منعهم من الاستغفار للمشركين ، ولو كانوا أولى قربى ، وتضمن ذلك وجوب التبري منهم رأسا ، بيّن لهم أن الله تعالى مالك كل موجود ، ومتولى أمره والغالب عليه ، ولا يتأتى لهم ولاية ولا نصرة إلا منه ، ليتوجهوا إليه ويتبرؤوا مما عداه ، حتى لا يبقى لهم مقصود فيما يأتون ويذرون سواه. ه.
الإشارة : وما كان الله ليضل قوما عن السير إلى حضرته ، أو الترقي فى العلوم والمعارف بعد الوصول ، حتى يبين لهم ما يتقون من سوء الأدب على لسان الشارع أو المشايخ ، فإذا تبين لهم ذلك ثم ارتكبوه وأصروا عليه ، أضلهم ، وأتلفهم عن الوصول إلى حضرة قدسه ، فإنّ كل طاعة وحسن أدب يقرب من الحضرة ، وكل معصية وسوء أدب يبعد عن الحضرة ، وقد قالوا : من أساء الأدب على البساط ، طرد إلى الباب ، ومن أساء الأدب فى الباب ، طرد إلى سياسة الدواب. وبالله التوفيق.
ثم ذكر توبته على الثلاثة المرجون ، فقال :
(لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١١٧) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨))