قال ابن جزى : ويحتمل أن يريد به صدق اللسان ؛ إذ كان هؤلاء قد صدقوا ولم يعتذروا بالكذب ، فنفعهم الله بذلك ، ويحتمل أن يريد أعم من صدق اللسان ؛ وهو الصدق فى الأقوال والأعمال والمقاصد والعزائم ، والمراد بالصادقين : المهاجرين ، لقوله فى الحشر : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ ...) : إلى قوله و (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (١). وقد احتج بها أبو بكر الصديق على الأنصار يوم السقيفة ، فقال : (نحن الصادقون ، وقد أمركم الله أن تكونوا معنا) ؛ أي : تابعين لنا. ه زاد السهيلي : ولمّا استحق الصادقون أن تكون الخلافة فيهم ، استحق الصّدّيق أن تكون الخلافة له ، مادام حيا ؛ إذ كان صديقا. ه.
الإشارة : الصدق سيف حازم ، ما وضع على شىء إلا قطعه. ويكون فى الأقوال ، وهو صيانتها من الكذب ، ولو أدى إلى التلف. وفى الأفعال ، وهو صيانتها من الرياء وطلب العوض. وفى الأحوال ، وهو تصفيتها من قصد فاسد ، كطلب الشهرة ، أو إدراك مقام من المقامات ، أو ظهور كرامات ، أو غير ذلك من المقاصد الدنية. قال القشيري : الصادقون هم السابقون الأولون ، كأبى بكر وعمر وغيرهما ، والصدق : استواء السّرّ والعلانية ، وهو عزيز ، وكما يكون فى الأقوال يكون فى الأحوال ، وهو أتمّ. ه.
ثم عاتب الحق تعالى أهل المدينة ومن جاورها على التخلف عن الغزو ، فقال :
(ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠) وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢١))
قلت : (ولا يرغبوا) : منصوب بالعطف ، أو مجزوم بالنهى ، والوادي : أصله : فاعل ، من ودي ، إذا سال ، وهو منقوص ، وهو فى اللغة : كل منفرج بين جبال وآكام يكون منفذا للسيل.
__________________
(١) الآية ٨ من سورة الحشر.