ثم ذكر جواب قومه ، فقال :
(قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (٩١) قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢) وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (٩٣))
قلت : «سوف تعلمون» : ذكره هنا بغير فاء ، وفى الأنعام بالفاء (١) ؛ لأن الكلام فى سورة الأنعام مع الأمة المحمدية ، فأتى بالفاء لمطلق السببية ، وهنا مع قوم شعيب عليهالسلام ، فحذفها ؛ لأنه أبلغ فى التهويل. فكأن الجملة بيانية لجواب سائل قال : فما يكون بعد ذلك؟ فقال : سوف تعلمون ... إلخ.
يقول الحق جل جلاله : (قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ) ؛ ما نفهم (كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ) من أمر التوحيد ، وترك التبخيس ، وما ذكرت من الدليل عليها ؛ وذلك لانهماكهم فى الهوى ، وقصور عقلهم ، وعدم تفكرهم. وقيل : قالوا ذلك استهانة بكلامه ، أو لأنهم لم يلقوا إليه أذهانهم لشدة نفرتهم. ثم قالوا : (وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً) ؛ لا قوة لك تمتنع بها منا إن أردنا بك سوءا ، أو : نراك ناحل البدن ، أو : ضرير البصر. وضعفه ابن عطية (٢). (وَلَوْ لا رَهْطُكَ) أي : قومك ، الذين هم باقون على ملتنا ، وكونهم فى عزة عندنا ، (لَرَجَمْناكَ) : لقتلناك بالحجارة. أو بأصعب وجه ، (وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) ؛ فتمنعنا عزتك من رجمك.
قال البيضاوي : وهذا ديدن السفيه المحجوج ، يقابل الحجج والآيات بالسب والتهديد. وفى إيلاء ضميره حرف النفي تنبيه على أن الكلام فيه لا فى ثبوت العزة ، وأن المانع لهم من إيذائه عزة قومه. ولذلك قال : (يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا) ، وجعلتموه كالمنسى المنبوذ وراء الظهر ، بإشراككم به ، والإهانة لرسوله. وهو يحتمل الإنكار والتوبيخ والرد والتكذيب. والظهرى : منسوب إلى الظهر ، والكسر من تغيير البناء. ه. قال ابن جزى : فإن قيل : إنما وقع الكلام فيه وفى رهطه ، بأنهم هم الأعزة دونه ، فكيف طابق جوابه كلامهم؟ فالجواب : أن تهاونهم به ، وهو رسول الله ، تهاون بالله. فلذلك قال : (أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ). ه.
__________________
(١) فى قوله تعالى : (قال يا قوم اعملوا على مكانتكم فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون) الآية : ١٣٥.
(٢) قال ابن عطية : وهذا ضعيف ، لا تقوم عليه حجة بضعف بصره أو بدنه ، والظاهر من قولهم «ضعيفا» أنه ضعيف الانتصار والقدرة.