قال شيخ شيوخنا ـ سيدى عبد الرحمن الفاسى ـ فى حاشيته عليه : ومدار السعادة : الجمع على الله والغيبة عمن سواه ، فيفنى العبد عن وجوده ، ويبقى بربه ، فيشغله استغراقه فى شهوده عن الشعور بغيريته ، وينمحى عنه أمل شىء يرجى ، أو خوف شىء يتقى ، فليس له عن سوى الحق إخبار ، ولا مع غيره قرار. وعند ما حل بهذه الحضرة ، وظفر بقرة عينه ، وحياة روحه ، وسر حياته ، لا يتصور منه سول ، ولا فوات مأمول. «أنت مع الأكوان ما لم تشهد المكون ، فإذا شهدته كانت الأكوان معك» ، «اشتاقت الجنّة إلى علىّ وعمّار وسلمان وصهيب وبلال» كما فى الأثر. نعم ، إن رد إليه تصور منه الدعاء على وجه العبودية ، وأداء الأمر وإظهار الفاقة ، لا على وجه الاقتضاء والسببية. «جل حكم الأزل أن ينضاف إلى الأسباب والعلل».
ثم قال : وعلى ما تقرر فى السعادة ، فالشقاوة : احتجاب العبد بوجوده عن شهوده ، فلا ينفكّ عن أمل ، ولا عن خوف عطب. فيستحثه الطبع للسؤال جلبا أو دفعا. وهو فى ذلك فى شقاء ، سواء أعطى أو منع ؛ لفقده قرة عينه وراحة قلبه ، لأسره فى طبعه ، ومكابدة أمره وهلعه. كما قال تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً ، إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ، وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ) (١). فلم يستثن من كد الطبع ومكابدته غير أهل الصلاة الدائمة ، وهم أهل الوجهة لله ، المواجهين بعناية الله ، المتحققين بذكر الله. وقد ورد : «هم القوم لا يشقى جليسهم» فضلا عنهم. وعلى الجملة : فالمراد بالسعادة والشقاوة فى كلامه ـ أي : الشاذلى ـ الباطنة لا الظاهرة ، والقلبية لا القالبية. وإن كان قد تطلق على ذلك أيضا ، لكن لكل مقام مقال. وقد قال تعالى : (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى) (٢).
قال فى نوادر الأصول : تابع القرآن قد أجير من شقاء العيش فى الدنيا ؛ لراحة قلبه من غموم الدنيا وظلماتها ، وسيره فى الأمور بقلبه فى راحة ؛ لأنه منشرح الصدر واسعه ، وبدنه فى راحة ؛ لأنه ميسر عليه أمور الدنيا ، تهيأ له فى يسر ؛ لضمان الله ، واكتنافه له. وكذا يجار فى الآخرة من شقاء العيش فى سجون النيران. أعاذنا الله من ذلك. ه.
ثم حذّر من الشرك ، الذي هو سبب الخلود فى النار ، فقال :
(فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩))
__________________
(١) الآيات : ١٩ ـ ٢٢ من سورة المعارج.
(٢) من الآية ١٢٣ من سورة طه.