بعامة) ، أو مشاهداته الخاصة لبلد ما ، ولو كان هذا البلد هو سبتة نفسها ، أو علاقاته الشخصية ببعض الناس المقاربين لعصره أو المعاصرين له. إننا لن نجد إنسانا شديد الحرص على إنكار ذاته ، كما نجد الحميري ، وكأنه يقول بلسان الحال : أريد أن أرتب معجما جغرافيا ، معتمدا في ذلك على الانتقاء من عدد معين من المصادر ، دون أن يكون لي أي رأي ذاتي أو عرض لتجربة خاصة.
كتاب الروض المعطار
١ ـ اسم الكتاب :
ورد اسمه في المخطوطتين المعتمدتين : «الروض المعطار في خبر الأقطار» وكذلك ذكرته المخطوطات التي راجعها بروفنسال ، وذكر في طبعة فلوجل من كشف الظنون مرة باسم «الروض المعطار في أخبار الأقطار» (١) ومرة أخرى باسم «روض المعطار في خبر الأقطار». وحين نقل عنه صاحب نفح الطيب جعل اسمه «الروض المعطار في ذكر الأقطار» ؛ وواضح أن التسمية التي اتفقت عليها المخطوطات هي الوجه الأرجح.
٢ ـ خطة المؤلف في كتابه :
بيّن المؤلف في مقدمة كتابه حدود الخطة التي التزمها في تأليفه ، فقد أراد أن يصنع معجما جغرافيا مرتبا على حروف المعجم ليسهل على الطالب كشف اسم الموضع الذي يريده ؛ ولما كان استقصاء المواضع جميعا أمرا عسيرا ، فقد وضع نصب عينيه :
(١) أن يكون المكان مشهورا.
(٢) أن يكون مما اتصل به «قصة أو حكمة أو خبر طريف أو معنى مستملح مستغرب».
ولهذا فهو يعدل عن ذكر الأمكنة الغريبة التي لا تتعلق بذكرها فائدة أو خبر يحسن إيراده.
ومعنى ذلك أنه يريد من كتابه أن يكون معجما جغرافيا تاريخيا ـ جغرافيا يصف الأقطار وما تتميز به ، وتاريخيا بذكر الأخبار والوقائع المتصلة بتلك البلدان. وقد قاس كتابه إلى كتاب «نزهة المشتاق» فوجده أكثر فائدة ، لأن نزهة المشتاق يوجز حتى في وصف البلدان ، ويكثر القول في ذكر المسافات ، ولا يهتم كثيرا بالأحداث التاريخية ، وليس فيه إيراد لما يستملح أو يستغرب إلا في مواطن قليلة.
كذلك فإن الحميري جعل الايجاز ـ أو حاول أن يجعله ـ أساس خطته في ذلك الكتاب.
__________________
(١) في طبعة استانبول من كشف الظنون : ٩٢٠ (الروض المعطار في أخبار الأقطار «الأمصار») على أن تحل احدى اللفظتين الأخيرتين محلّ الأخرى.