لفظ الاشارة «هذه» (١). ومن يراجع الروض المعطار يجد أن بعض هذه الأمور قد رددها الحميري أيضا نقلا عن البكري ، فليس الخطأ من عنده ، وإنما مصدره ثقته فيما يقرؤه لغيره. ولكن الخطأ يشيع بالنقل ، وتصبح أخطاء الحميري نفسه مظنة قبول عند من ينقلون عنه مضافة إلى أخطاء غيره ؛ فقد ذكر مثلا «حبرون» في «جيرون» ، فلما نقل عنه القلقشندي أثبت «حبرون» وضبطها ، ثم قال : وفي كلام صاحب الروض المعطار ما يدل على إبدال الحاء بجيم والباء الموحدة بمثناة تحت ، فإنه ذكرها في حرف الجيم في سياقه الكلام على تسمية دمشق جيرون (٢).
على أية حال ليس من الضروري أن نغالي في تقييم الروض المعطار ، فإنّ مهمته لا تتعدّى شيئين : أنه يشبه أن يكون نسخة ثانية من كل مصدر نقل عنه ، وهو في هذه الحالة يصحح أحيانا بعض النصوص في تلك المصادر ، كما أنه احتفظ بمادة غزيرة تدور حول أحداث القرن السابع ، ربما طال بنا الزمن قبل العثور على مصادرها ، وبمادة مما لا يزال مفقودا من مسالك البكري ، وخاصة فيما يتصل بجغرافية القارة الأوروبية والأندلس.
٥ ـ هل وصلنا كتاب الروض كاملا؟ :
أورد القلقشندي في صبح الأعشى التعريف ببلدين ، وصرّح بأنه ينقل عن الروض المعطار ، فقال عند التصدي لذكر مرمرا (٣) : «قال في الروض المعطار : والروم تسمي الرخام مرمرا فسميت بذلك».
ونقل عن الروض المعطار وصفا لمدينة تعز جاء فيه (٤) : «قال في الروض المعطار : ولم تزل حصنا للملوك ؛ قال : وهو بلد كثير الماء بارد الهواء كثير الفاكهة ؛ قال : ولسلطانهم بستان يعرف بالينعات فيه قبة ملوكية ومقعد سلطاني ، فرشهما وأزرهما من الرخام الملوّن ، وبهما عمد قليلة المثل يجري فيها الماء من نفثات تملأ العين حسنا والأذن طربا ، بصفاء نميرها وطيب خريرها ، وترمي شبابيكهما على أشجار قد نقلت إليه من كل مكان ؛ يجمع بين فواكه الشام والهند ولا يقف ناظر على بستان أحسن منه جمعا ، ولا أجمع منه حسنا ، ولا أتم صورة ولا معنى.
ولم ترد هاتان المادتان في نسختي الروض اللتين اعتمدت عليهما ، كما أن وصف تعز ـ على هذا النحو الأدبي ـ ليس مألوفا عند الحميري إلا حين ينقل عن ابن جبير ؛ ولكن ربما كانت نسخ الكتاب متفاوتة ، فقد احتفظت النسختان المعتمدتان بقطعة كبيرة عن «بحانة» إحدى مدن الأندلس أخلت بها النسخ الأربع التي اعتمد عليها بروفنسال ، أو ربما سها القلقشندي في نسبته هاتين القطعتين إلى الروض المعطار.
__________________
(١) رحلة العبدري ، تحقيق محمد الفاسي (١٥٨ ـ ١٥٩) ظ. المغرب ١٩٦٨ ، وليس العبدري محقا في كلّ مآخذه ، فانه لا يراعي تطور الزمن وما يصيب الأماكن من تغير ، ولكنا نأخذ نقده نموذجا وحسب.
(٢) صبح الأعشى ٤ : ١٠٢.
(٣) صبح الأعشى ٥ : ٣٤٤.
(٤) صبح الأعشى ٥ : ٩.